عربي ودولي

الإثنين - 01 يونيو 2020 - الساعة 09:28 ص بتوقيت اليمن ،،،

عين العرب | متابعات

ظروف مأساوية وإهمال مريع وانتهاكات مريرة لحقوق العمالة الأجنبية في قطر، كشف عنها أحد العمال الأجانب الذي تمكن من النجاة بنفسه.

العامل الذي يدعى "نوح" روى عن تجربة عمله القاسية في قطر، وظروف المعيشة بها التي وصفها بأنها "كئيبة" و "مهينة للإنسانية" في مقال نشره بموقع "Migrant Rights " المعني بحقوق العمالة الأجنبية والمهاجرين.

كما فضح تورط مؤسسات حكومية، في تلك الانتهاكات، مثل وزارة العمل ووزارة الداخلية، التي تجاهلت شكاويه المتعددة رغم أنه أرفقها بكل الأدلة التي تؤكد مصداقيتها، ومواقع تلك الانتهاكات على وجه الدقة.

الصدمة الأكبر التي كشفها العامل أن كل تلك الانتهاكات تقع في شركة تابعة لمؤسسة قطر، التي تترأسها موزا بنت ناصر والدة أمير قطر، وهي مؤسسة تروج لنفسها باعتبارها نموذج مثالي للحفاظ على حقوق العمال.

كما أعرب عن صدمته أيضا من قيام الشركة برفع عدد العمال في الغرفة التي يعيشون فيها من 6 إلى 8 بعد ظهور فيروس كورونا المستجد "كوفيد 16"، وتخصيص دورة مياة واحدة لكل 14 عامل، بعد أن كانت هناك حمام لكل 9 عمال، أي أن الأمور سارت من سئ إلى أسوأ.

اللغة الصادقة والكلمات المريرة التي تضمنها مقال العامل نوح، وجهت ضربة قوية للحملات الإعلامية القطرية التي تنفق عليها ملايين الدولارات وكشفت زيف محاولاتها لتحسين صورة الوضع المأساوي للعمالة الأجنبية في قطر.

أيضا جاءت شهادة العامل متوافقة مع تقارير المنظمات الحقوقية والوسائل الإعلامية الأجنبية المنصفة بشأن الانتهاكات الحقوقية للعمال الأجانب في قطر.

كما تأتي تلك الشهادة بعد أيام من مظاهرات عمالية شهدتها قطر في منطقة مشيرب، الملاصقة للديوان الأميري (المقر الرئيسي للحكم في قطر)، احتجاجا على عدم دفع أجورهم.

لوحة معبرة
نوح رسم بالكلمات لوحة معبرة عن المكان الذي كان يعيش فيه قبل شهرين، والذي يضم 72 عاملا، يعيش كل 6 أشخاص في غرفة، ومخصص لهم 8 دورات مياه فقط، أي حمام واحد كل 9 أشخاص.

يقول نوح إنه يعيش مع 5 أشخاص آخرين في غرفة لا تزيد مساحتها عن 16 مترا، بها أسرة بطابقين، وستة خزانات معدنية وتشكيلة متنوعة من المتعلقات الشخصية، الأمر الذي يجعل المساحة المتبقية من الغرفة شريط ضيق يجعل حركتهم استعداداً للذهاب إلى دورة المياه أو الذهاب العمل معاناة كبرى، بل كثيرا من الأحيان يصطدمون ببعضهم البعض عند ارتداء ملابسهم، الأمر الذي يسبب الكثير من التوترات بينهم.

عن هذا يقول:"لنفترض أننا في الوقت الذي نستعد فيه للعمل... سيتوجب عليك، أولاً، وبحسب مكان الخزانة الخاص بك، أن تمر بين اثنين إلى خمسة من العمال زملاء الغرفة لتصل إلى الخزانة في طريقك من دورة المياه للاستحمام".

وأردف :"بعدها، تأخذ حاجياتك، وعليك من ثم المحافظة على مسافة تكفيك، من المكان الذي تقف فيه، لتتجنب الاصطدام بشخصين على الأقل في الوقت الذي تنحني فيه لارتداء ملابسك".

وتابع :"مرة أخرى، لا بد من الانتباه للمساحة المحيطة بك في الوقت الذي تلبس فيه قميصك أن كنت حريصاً على عدم لكم فك أحدهم في أثناء ذلك بطريق الخطأ. وحتى إن كان فعلاً بطريق الخطأ فقد لا يُعتبر كذلك. فالتوتر دائما عاليا في هذه الغرفة الضيقة".

أكاذيب قطر والتفتيش الوهمي
ويسخر نوح من أن هذا الوضع المأساوي يوجد في شركة تعمل مع مؤسسة قطر، التي تترأسها موزا بنت ناصر والدة أمير قطر، وهي مؤسسة تروج لنفسها باعتبارها نموذج مثالي للحفاظ على حقوق العمال، معربا عن استغرابه من الصورة الذهنية التي يقدمونها عن أنفسهم، والتفتيش الوهمي الذي يقومون به.

عن هذا يقول نوح :" الشئ المضحك حقاً فهو أننا نعمل لصالح شركة معينة وهي تابعة لمؤسسة قطر، وقد جاءنا شخص من الشركة بالفعل من أجل التفتيش على الوضع، واجتاز المكان الفحص. وهذا الأمر مثير حقاً لأن كل شخص من العاملين في مجال عملنا يعلم تماماً صرامة مؤسسة قطر ونبل أهدافها عندما يتعلق الأمر برفاهية الموظفين".

ورغم اعتراف نوح أنه يعلم أن تلك الظروف التي يعيش فيها هي أفضل حالاً، مقارنة بغالبية من يعيشون في المساكن العمالية التي تغطي المنطقة الصناعية بالكامل، إلا أنه قال إنه لا يستطيع أن يصف المكان الذي يعيش فيه إلا أنه "كئيب".

"كورونا".. من سئ إلى أسوأ
ويؤكد نوح ما رصدته العديد من المنظمات الحقوقية بشأن قيام النظام القطري بالتضحية بالعمال الأجانب وتعريض حياتهم لخطر الإصابة بفيروس كورونا المستجد (كوفيد 19)، نتيجة تدني ظروفهم المعيشية.

يشير في هذا الصدد إلى أنهم كانوا يقيمون قبل شهرين ستة أشخاص في كل غرفة، وبسبب “تهديد” كوفيد19″ تم نقلنا إلى فيلا في مجمع سكني ليس بعيداً عن المنطقة الصناعية. وكانت هذه الخطوة تجارية أكثر منها احترازية، ذلك لأن إغلاق المدخل من وإلى معسكرنا السكني كان وشيكاً.

وبين أنه في المكان الجديد أصبحنا ثمانية اشخاص نقيم في غرفة واحدة بحجم غرفتنا السابق، وفي الغرفة المجاورة له كان يقيم عشرة أشخاص، كما تم إغلاق المدخل الأمامي في الطابق الأرضي من المبني وتم تحويل غرفة المعيشة إلى منطقة للنوم بوضع ستة أسرة بطابقين ليصبح عدد من يقيمون في غرفة المعيشة 12 شخصاً، وأصبح جميع من يقيمون في المبنى وعددهم 54 شخصا يستخدمون 4 دورات مياه فقط.

تناقض كبير
وكشف نوح عن وجود تناقض كبير بين اللوائح والقوانين الموجودة في قطر، والتي تقدمها للمنظمات الدولية التي تتحدث عن انتهاكات حقوق العمال والوضع على أرض الواقع.

وفي هذا الصدد يبين أنه يوجد لدى قطر لوائح خاصة بمعايير السكن. هذه اللوائح تشمل عدد الأسرة في الغرفة الواحدة، ترتيبات النوم المشترك، التهوية، مساحات التخزين الشخصية، نسب مراحيض ومرافق الاستحمام المشتركة للأشخاص وما إلى ذلك.

وعلى سبيل المثال، تنص اللوائح على أن يكون هناك مساحة 6 متر مربع لكل سرير، وأن يكون هناك 1,5 متر كحد أدنى بين الأسرة المتجاورة على أن يتم فصلها – أرجو الانتباه لذلك – بعازل للخصوصية أو ستارة! .

وأشار نوح إلى إنه وفقاً لقانون العمل القطري، من المفترض أن يعيش العمال بشكل لائق إلى حد ما، موضحا أن الواقع، وفي أغلب الحالات، ما هو إلا واقع قذر فلماذا يحدث كل هذا؟ ".

المؤسسات الحكومية متورطة
وكشف العامل نوح عن علم المؤسسات الحكومية وتجاهلها، لافتا عن تجربته في هذا الصدد.

وقال إنه وجه عدة شكاوى إلكترونية لوزارة العمل ووزارة الداخلية، وفصل فيها المخالفات، وإرشادات للوصول إلى الموقع. وفي كل مرة كنت أتلقى الرد نفسه وهو “السيد الفاضل بخصوص الشكوى العمالية الرجاء إرسال رسالة نصية لـ (92727) لتسجيل شكوى عمالية ، الرجاء إضافة رقم الهوية الشخصي مسبوقاً بالرقم 5، مثال (528963400000) مع تقديم تفاصيل الشكوى شكرا لك ... وزارة التنمية الإدارية والعمل والشئون الاجتماعية”.



وانتقد نوح هذا الرد، داعيا نظام قطر للسماح لهم بالإبلاغ عن الانتهاكات التي يتعرضون لها دون الكشف عن هويتهم، حتى لا يتم فصلهم من أعمالهم.

وتابع :" على الوزارة أن تطبق نظام إبلاغ مجهول المصدر يسمح بحماية العامل من انتقام صاحب العمل. فالخوف يعتبر سبب آخر لاستمرارية مخالفات الإقامة. فلا أحد يود أن يخاطر بوظيفته بالمبادرة بالشكوى".

وأردف ساخرا :"سيكون من الأجدى للعمال الانصياع للوضع القائم واستلام أجورهم، أعني المحظوظين الذين يتسملون هذا الأجر بانتظام. فعدم دفع الأجور لا يزال موضوعاً قائماً"، في إشارة إلى معاناة عمال آخرين من عدم دفع أجورهم.

ودعا الإعلام الدولي والمدافعين عن حقوق الإنسان الضغط على الحكومة لبذل المزيد من الجهد لضمان عيش العمال بكرامة ووضع لائق، مشيرا إلى أنه حتى هذا الوقت فسيكون الوضع في قطر "البيت هو أينما يراه صاحب عملك مناسباً".

انتقادات متزايدة
وما زالت قطر تضرب أسوأ الأمثلة في معاملة العمال الوافدين على أراضيها، وتركت الباحثين عن الرزق فريسة لفيروس كورونا.

ورصدت العديد من المنظمات الحقوقية ووسائل الإعلام العالمية قيام النظام القطري بالتضحية بالعمال الأجانب وتعريض حياتهم لخطر الإصابة بالفيروس نتيجة ضعف إجراءات حمايتهم وتدني ظروفهم المعيشية.

وأكدت تقارير لـ"فورين بوليسي" و"نيويورك تايمز" الأمريكية و"الجارديان" البريطانية وإذاعة "إر.إف.إي" الفرنسية، إضافة إلى تحقيقات منظمات "هيومن رايتس ووتش" ومنظمة العفو الدولية وميجرانتس رايتس، أن العمال يذهبون كل يوم إلى "إعدامهم".

وانتقدت منظمة العفو الدولية في وقت سابق تعريض الحكومة القطرية آلاف العمال والمهاجرين في المنطقة الصناعية بالعاصمة الدوحة لخطر الإصابة بكورونا.

وكشفت المنظمة الدولية في سلسلة تغريدات عبر "تويتر" عن: "أن أجزاء من المنطقة الصناعية في قطر، – وهي بمثابة مخيمات سكنية لعدد كبير من العمال المهاجرين- قد تم إغلاقها بشكل مُحكم بعد إصابة مئات من عمال البناء بكورونا".

وأكدت المنظمة أنه يتوجب على الحكومة القطرية أن تضمن بقاء حقوق الإنسان في جوهر محاولات الوقاية والاحتواء من فيروس كورونا، وضمان حصول الجميع على الرعاية الصحية والوقائية والعلاج لجميع المتضررين، وبدون تمييز.

احتجاجات عمالية
وكان مئات من العمال الأجانب في الدوحة، قد تظاهروا قبل أسبوع، احتجاجا على عدم دفع أجورهم.

وأظهرت صورا تم تداولها على مواقع التواصل الاجتماعي عشرات الأشخاص، يغلقون طريقا رئيسية في حي مشيرب بالدوحة على مرأى من عناصر الشرطة.

وقالت وزارة التنمية الإدارية والعمل والشؤون الاجتماعية القطرية، في بيان لها، إنها "فتحت تحقيقا فوريا في واقعة تأخر دفع أجور عدد من العمالة الوافدة الذين تجمهروا ".

ويشكل الأجانب 90% من عدد سكان قطر البالغ 2.75 مليون نسمة، وغالبيتهم من دول نامية يعملون في مشاريع مرتبطة باستضافة الإمارة الصغيرة لكأس العالم في كرة القدم العام 2022.