كتابات وآراء


الإثنين - 18 مايو 2020 - الساعة 03:45 ص

كُتب بواسطة : علاء الدين سعيدان - ارشيف الكاتب


• التطور سنة كونية تحصل على كافة المستويات: كالتطور الفيزيائي والكيميائي الذي يفسر تطور الكون منذ الإنفجار العظيم، أو البيولوجي والذي يشمل تطور الكائنات الحية، أوالتطور الثقافي كتطور اللغات والموسيقى والرقصات، أو حتى التطور الصناعي الذي ربما هو أكثرها وضوحا وتمييزا في حياتنا اليومية.
• مثل التطور البيولوجي الذي وحدات التطور الأساسية فيه هو الجينات، فإن للتطور الثقافي وحدة أساسية تعرف بالميمات وواحدتها ميم (meme).
• فالميم، هو عنصر ثقافي يمكن له أن ينتقل من شخص لآخر بطريقة لا جينية— أي أن طريقة الانتقال هي التقليد.
• لنقل أنني اخترعت حرفا جديدا في اللغة العربية نطقه تماما كحرف (V) في اللغة الإنجليزية، وأن استخدامه يجب أن يكون محل كل حروف الفاء حين يكون في وسط الكلمة؛ أي نقول مvتاح بدل من مفتاح، أصvر بدلا من أصفر وهكذا. هذا الحرف يعتبر ميم (meme) أي أنه يمكن له أن ينتقل من شخص لآخر؛ ولكن بالطبع لا يعني هذا أن الانتقال سيحدث بالفعل.
• إذن لكي يحدث التطور اللغوي في هذه الحالة، يجب أن يتم قبول الميم (meme) الجديد لدى شريحة عريضة من الناس (انتقال أفقي) وأن يتم توريثه للجيل القادم (انتقال طولي).
• يتكرر ذات الحال مع استحداث كلمات جديدة. لنقل أن أحدهم بدأ باستخدام كلمة "سنطر" على السائل معقم اليدين؛ فاستخدام هذه الكلمة الجديدة التي استحدثها هذا الفرد يجب أن تحظى بقبول لدى شريحة واسعة من الناس، أولا، ويجب انتقالها للجيل القادم أو الأجيال القادمة، ففي هذه الحالة يمكن أن نقول أن اللغة قد اكتسبت كلمة جديد بالإضافة إلى الحرف الجديد.
• مع تكرار هذا الأمر لعدة أجيال بين تغير في الصوتيات واستحداث لكلمات جديدة، تتولد اللهجة الجديدة المميزة لقوم معين.
• ومع استمرار الأمر لقرون عديدة تتطور اللهجات لتصبح لغات مستقلة بذاتها.
• لا شك أن اللغة العربية كغيرها من اللغات مرت بمراحل تطور عديدة، ولازالت تتطور، فاللهجات كثيرة ومتعددة، تظهر عليها أوجه التشابه بشكل أكبر بتقارب المناطق الجغرافية من بعضها، إلا أننا نملك لغة عربية فصحى مشتركة هي اللغة المعيارية لدى الجميع، نستخدمها في الصحافة والإعلام والتعليم وتواصلنا الرسمي وغيرها من مناحي الحياة.
• لكن من أين أتت هذه اللغة الفصحى؟ هل كان العرب جميعهم في الماضي يتحدثون بها؟
• لعل من المنطق أن نقول بأن ما يسمى حاليا باللغة العربية الفصحى، هي في الأساس الأقرب للهجة القرشيين في حقبة ظهور الإسلام، فقواعدها ونطق كلماتها مستنبطة من طريقة تلاوة القرآن التي توارثها المسلمون وخصوصا قراءة حفص عن عاصم.
• لكن أيضا لعل لهجة القرشيين لم تصلنا تماما كما هي بدليل تعدد القراءات في القرآن.
• لعل أبرز الإختلافات التي تظهر بين القراءات هي المد في حرف الألف، فمثلا تجد نطق كلمة "النار، أو الكافرين" في رواية السوسي عن أبي عمرو، يكون بتقصير المد وإمالته إلى الياء، كذلك هو الأمر مشابه في رواية ورش عن نافع حيث يتم تقصير الألف المنقلبة ياء بدلا من مدها نحو "والنجم إذا هوى"، فالواوعلى كلمة "هوى" ليست مفتوحة ولا مكسورة وإنما حركة بينية لا تدرس في مدارسنا. وفي قراءة حفص يظهر هذا النطق على الراء السابقة للألف في كلمة "مجراها"_هود-41
• طريقة مد الألف التي نستخدمها في الفصحى هي ذاتها التي يستخدمها عرب الخليج والعراق وأهل نجد والحجاز وأجزاء من اليمن والشام وغيرهم، لكنها لا تنطبق على جميع العرب.
• ففي اللهجة الحضرمية مثلا تنطق الألف الممدودة قصيرة مع ميول إلى الكسر (انطق كلمة سحاب بالحضرمية أو الليبية أو التونسية وقارن المد في الفصحى لتفهم المقصود).
• أيضا في اللهجة الحضرمية الحضرية (وربما البدوية أيضا، تنقصني المعرفة حولها) فإن الهمزات لا تذكر ويستعاض عنها بالألف والواو والياء، وكذلك تحول الجيم إلى ياء، والقاف تنطق كحرف g في الإنجليزية كما في كلمة god (وهو حال معظم لهجات العرب رغم أنهم يميلون إلى الاستغناء عن هذه القاف بمجرد أنهم يتحدثون الفصحى).
• خلاصة القول أن اللغات تتطور، واللغة العربية أيضا تطورت، وأن الحضرمية ولهجاتها المتعددة ماهي إلا أحد أوجه هذا التطور.
لهذا وجب التساؤل:
- ألا ينبغي لنا أن نتنازل عن قيود الفصحى المفروضة علينا والتي هي بعيدة كل البعد عن لهجاتنا واستبدالها بقواعد إملائية أكثر قربا للهجاتنا كالاستغناء تماما عن الهمزات (نطقا وكتابة) أو نطق الجيم ياء، أو القاف كما هو معروف في لهجتنا؟
- ألا ينبغي أن يتخذ كل العرب خطوة جريئة كهذه ونكون أكثر واقعية في التعامل مع لغتنا التي يموت العربي المتعلم دون إتقانها كونها خارجة عن إطار تربيته وممارساته اليومية؟


من صفحة الكاتب في الفيس بوك