كتابات وآراء


الثلاثاء - 05 مايو 2020 - الساعة 01:07 ص

كُتب بواسطة : سناء مبارك - ارشيف الكاتب



يتواصل معي الكثيرون خلال الأيام الماضية في استشارات طبية، أحدهم كان يعاني من حمى وضيق في النفس، عندما عرضتُ على عائلته عمل صورة تشخيصية للرئة لأني أشك في إصابته بالتهاب رئوي ربما بسبب "كورونا" ظنوا بأني لا أفهم في الطب. ثم عرض نفسه على طبيب آخر فأخبره أن الكتمة ومعها الحمى هي نتيجة طبيعية لانطفاءات الكهرباء، وكان سعيدًا بهذا التفسير الذي وجده منطقيًا..

ليست هذه المرة الأولى التي أواجه فيها موقفًا كهذا، أنا أترصده منذ بداية عملي، حتى في وسائل التواصل الاجتماعي، لاحظتُ خلال تجربتي في المستشفيات وبالتعامل مع كافة أنواع البشر في ٣ قارات وأكثر من بلد أنها سمة مشتركة يتشارك فيها الجميع ولكن بدرجات، تعتمد في غالبيتها على الوعي، لا يحب الناس الطبيب الذي يقول الحقيقة أو يرفع من درجة القلق تجاه أي أمر ، بل من يعطي التطمينات والوعد ولو كذبًا.

كان فرويد وابنته آنا قد سبقاني إلى هذه الملاحظة، التي كتب عنها تحت بند الدفاعات النفسية التي يواجه بها الإنسان مخاوفه. في الطب النفسي يعرّفون هذه الحالة بأنها آليات للدفاع النفسي ضد الحقائق التي لا يمكننا التعامل معها، وتحتوي على درجات من خداع الذات، كلنا نلجأ لها عندما نواجه أمرًا "لا نريد تصديقه" لأنه يحتوي على معلومات مؤلمة أو مهددة لسلامنا أو مثيرة لقلقنا أو تشير لضعفنا أو تضعف صورتنا أو يترتب عليها إجراءات غير مريحة أو مقيدة للحرية.

أكثرها وضوحًا ربما هي فكرة "الإنكار" ، الإنكار البسيط هو عندما يتم إنكار الحقيقة المؤلمة تمامًا، ثم الحد الأدنى من الإنكار وهو عندما يتم الاعتراف بالحقيقة المؤلمة ولكن يتم التقليل من جديتها.

ثم تنتقل حالة الإنكار هذه في حال استمرار المحفز إلى مرحلة من "العقلنة"، يبدأ فيها الشخص البحث عن مبررات لهذا الإنكار، أو تسويغًا يجده منطقيًا وقارب نجاه يهرب به من مواجهة الحقيقة العارية.. نعم هناك وباء ولكنه ليس كورونا.. مستحيل أن يصل الوباء لبلد مغلق الحدود.. الخ!

الشكل المركّب الآخر لحالات العقلنة هذه هو التركيبة الخاصة بالتنسّك، أي أن ترمي بالحمل كاملًا على القدرية والمشيئة الإلهية. "الله هو من كتب علينا هذا الوباء ولن نفعل شيئًا أمام هذه المشيئة، إن كتب لنا الله الوفاة بالمرض فهي إرادته التي لن نمنعها لا بالوقاية ولا بالحرص" "الحامي الله".. يقول الكثيرون.

ثم أن تعتقد أن هذه المخاوف التي لا تريد الاعتراف بها هي مجرد هلع الآخرين الذي لست مضطرًا لتصبح جزءًا منه، لأنك بطريقة ما محصنًا ضد هشاشة الغير، أو أفكارهم الغبية، لأنك الأفضل، أو الأدرى، فتبدأ بمهاجمتهم، حتى المختصين منهم، تحت تهمة "الكذب" أو "ترويع الناس".. شيء ما من نظرية "الإسقاط".

وتفسّر نظرية الإسقاط ومعها فكرة النزعة التناسبية، أي اعتقاد الأشخاص أن الأحداث الكبيرة يجب أن تصاحبها أسباب ذات مستوى عال، قد تفسر اعتقاد الأشخاص بالمؤامرة الكامنة وراء انتشار هذا الوباء؛ مثل فكرة التصفيات السياسية، ثم الاعتقاد بأن الفيروس تم تصنيعه في مختبرات ما، أو أنه حصيلة صراعات اقتصادية عظمى.. وهكذا.

وهذه الأفكار وإن صحت فإنها ليست سوى دفاعات نفسية للأشخاص الذين لا يملكون من صحتها أو عدمه لا ناقة ولا جمل، هي مجرد "إزاحة" للتفكير نحو معضلة أخرى غيبية أو جدلية تعفيك من التفكير في معضلة واقعة يتوجب عليك أن تفعل شيئًا حيالها.

-من صفحة الكاتب على الفيس بوك