كتابات وآراء


الجمعة - 15 مايو 2020 - الساعة 03:27 ص

كُتب بواسطة : د. عمر عبدالرحمن باوزير - ارشيف الكاتب


كثر الحديث عن هذا الوباء و بات الناس في هلع و خوف فكثرت الشائعات و النصائح و الإرشادات و التي قد تضر في بعض الأحيان. لا يختلف اثنان ان هذا الفايروس مثله مثل فايروس الانفلونزا و غيرها من الفيروسات التي تصيب الجهاز التنفسي و لكن بشدة تختلف من شخص لآخر.
أولا:
الكل اجمع على الإرشادات المتبعة لمنع انتقال هذا الفايروس من استخدام الكمامات و غيرها و هذا يشمل تقريبا كل فايروسات الجهاز التنفسي. حيث تكون المحطة الأولى للعدوى في الجهاز التنفسي العلوي و لكن ما افقتدناه هو أين هي بالضبط هذه المحطة الأولي و الأساسية لرحلة و تكاثر هذه الفايروسات. هل هي الأنف أم البلعوم أو العين.
انا برأيي ان الأنف هوالمحطة الأولى و الأساسية لتكاثر هذ الفايروس و ليس البلعوم كما يشاع لأننا جميعا نفرز اللعاب و نأكل و نشرب و نبلع فإذا و جد الفايروس في البلعوم فانه حتما سيبلع عند الأكل أو الشرب و من ثم سيصل المعدة وسيدمره حامض المعدة و و بالتالي لن تكون هناك فترة لبقائه في البلعوم لتكاثره. وكذلك العين فهي مجرد توصيل الفايروس عبر قناة الدمع إلى الأنف.
لذلك أرى انه يجب علينا تنظيف الأنف من الكثير من هذه المايكروبات. و الطريقة الأسلم و الأسهل هي الاستنشاق و الاستنفار بالماء العادي و هو ما نعمله أثناء الوضوء. لكن يجب أن يكون بالطريقة الصحيحة و هي أن تستنشق الماء إلى ابعد نقطة ممكنة في الأنف ثم تستنفر بشدة ثلاث مرات. وأنت تعمل هذا في اليوم خمس مرات فانك تمنع فترة حضانة و تكاثر هذا الفايروس و غيره من فايروسات الجهاز التنفسي.
فالاستنشاق و الاستنفار الصحيحين هما الطريقة المثلى لوقاية نفسك و منع انتشاره للآخرين لهذه الفايروسات و منها أيضا فايروس الزكام.
و عليه أرى أن اخذ العينة من الأنف هي الطريقة الأمثل لاكتشاف الأشخاص الحاملين لهذا الفايروس قبل ظهور الأعراض و النتيجة سنحصل عليها خلال ساعات أو بالكثير يومين او ثلاثة حسب نوع الفحص المستخدم و من ثم يترك الشخص السليم. بينما الشخص الحامل للفايروس نتخذ بشأنه الإجراءات اللازمة، وعليه لا داعي ولا فائدة من حجز او حجر كل الأشخاص وخصوصا في المعابر لمدة أسبوعين ففيها الكثير من المخاطر النفسية و العضوية.
ثانيا: و هو الأهم جهاز المناعة، فالله سبحانه و تعالى خلق لنا جهاز من أهم الأجهزة الدفاعية في أجسامنا و التي تقينا العوامل الخارجية الضارة. هذا الجهاز من أكثر الأجهزة تعقيدا تركيبا و عملا. فأي هجوم على أجسامنا سوى كان مايكروب مثل الفايروسات او غيرها من الأجسام الغريبة لا يستطيع أن يقضي علينا إلا بعد هزيمة هذا الجهاز الوقائي. ليس هذا فقط بل حتى الكثير من الأمراض المزمنة و ما يسمى الامراض التي يحارب فيها الجسم نفسه ((Auto-immune diseases وكذلك نشوء وتكاثر السرطانات من أسبابها خلل عمل هذا الجهاز.
الكثير تكلم عن تقوية جهاز المناعة و لكن القليل وعلى استحياء تكلم عن العوامل المخلة لعمل هذا الجهاز. حتى السيد تيدروس ادهانوم مدير منظمة الصحة العالمية في نشراته و هو بالمناسبة يحمل تخصص في علم المناعة لم يتطرق إلى العوامل التي تضعف هذا الجهاز. و كل ما كان يعمله هو نشرة الحالة الوبائية و هذا ممكن أن يقوم به أي عامل في المنظمة.
ان دخول اي جسم غريب و منها الفايروسات إلى داخل الخلية يكون عن طريق المستقبلات Receptors الواقعة على جدار الخلية. كما أن الأعراض و المضاعفات التي تحصل بعد ذلك نتيجة لهذا الهجوم هي نتيجة الأجسام التي تفرزها خلايا الجسم لتنبيهنا بالخطر و الدفاع عنا و تسمى Ctyokines و هي في تناغم و توازن دقيق بحيث لا يخل بالنظام المناعي العام.
و المعروف أن هناك مستقبلات خاصة لكل نوع من خلايا الجسم تعرَف و تميَز بها مثل ماركات السيارات كما أن الأجسام التي تفرزها الخلايا تكون حسب الأوامر التي تعطى للنواة و ذلك عبر سلسلة من العمليات المعقدة. و تعتبر الأحماض الامينية (و هي اللبنة الأساسية للبروتينات) العنصر الأساسي في تركيب هذه المستقبلات و الأجسام التي تفرزها الخلايا.
وهنا يبرز السؤال المهم و هو: ما هي هذه المستقبلات و كيف تسمح لهذا الفايروس بدخول الخلية و لماذا خلايا بعض الأشخاص تحتويه و هم الأغلبية العظمي و من ثم تتخلص منه، و القلة لا تستطيع فيتضاعف عندها المرض و ذلك عبر خلخلة جهازها المناعي.
إن ما نأكله و نشربه و نتنفسه من أهم العوامل المؤثرة على أجهزة أجسامنا و منها جهاز المناعة. فإذا كانت تلك المستقبلات و الأجسام تحتوي على البروتين بتسلل معين للأحماض الامينية فهل ما نأكله من بروتين الحيوانات او غيرها من المأكولات و المشروبات يغير تركيبة هذه المستقبلات بحيث يعطي إشارات خاطئة لأجسامنا بتكوين مستقبلات Receptors تسمح بمرور هذه الفايروسات أو تعطي إشارات لنواة الخلايا بتكوين أجسام Cytokines أو مضادات الأجسام Antibodies فتؤدي إلى خلل جهاز المناعة و من ثم ظهور الأمراض أو تفاقمها. إن هذه الأسئلة و الكثير منها يتطلب الجهد و البحث والتدقيق في جهاز المناعة.
إن علم المناعة و المعرفة به حتما سيؤدي بنا إلى معرفة الكثير من الأمراض إن لم يكن جميعها و بالتالي الوقاية منها و علاجها بإذن الله. لقد أصبح هذا العلم من ركائز التطعيمات Vaccines و الأدوية المستخدمة في الالتهابات و عليه ترى شركات الأدوية تتهافت على الحصول على خدمة هؤلاء العلماء كما ان التخصص فيه صعب المنال. و هنا يحضرني ما كان يقوله لنا أستاذنا كبير استشاري الدم في منطقة كنت (Kent) في أنجلترا و هو Dr Wells : ’ لو يعود بي الزمن إلى الوراء لكنت تخصصت في علم المناعة‘.
و لهذا أرى أن يدرَس علم المناعة كمنهاج مستقل بذاته مثله مثل بقية المواد الكيمياء والأحياء و الرياضيات و الكيمياء الحياتية و علم الأدوية و غيرها من المواد التي تدرَس سوى في المراحل الابتدائية أو الجامعية أو ما بعد الجامعة. و هذا يتطلب الآتي:
• على وزراء التربية و التعليم العالي ان يضعوا المناهج الخاصة بعلم المناعة كمادة منفصلة مثل بقية المواد بحيث تدرس من المراحل الأولى (التأسيسية)
• على كليات الطب أن تدرج في منهاجها علم المناعة بما فيه المناعة السريرية Clinical Immunology كساعات معتمدة (Credit Hours)
• على وزارة الصحة و المكاتب الصحية أن تدرج في بعثاتها إلى الخارج تخصص علم المناعة
• على المجلس اليمني للتخصصات الطبية أن يدرج تخصص علم المناعة السريري
• على بعض الأطباء المبتعثين و العاملين في الخارج أن يتخصصوا في علم المناعة كتخصص دقيق.

و هكذا بإذن الله خلال عشر إلى عشرين سنة سوف يكون عندنا علماء في علم المناعة يفكوا الكثير من شفرات هذا العلم
و نكون ايجابيين active و ليس سلبيين passive منتظرين ما سيمن به علينا الغير و الذين للأسف لن يعطونا إلا القدر اليسير بحيث تظل أيدينا ممدودة إليهم.
وللعلم إن هذه الأوبئة و الأمراض لن تتوقف و كلنا يدرك انه بالأمس كان انفلونزا الخنازير ثم الطيور ثم السارس.والآن كورونا وغدا سيكون غيرها.
هذا ما أحببت الإشارة إليه من حلقة مفقودة لعلها تجد من يلتقطها و ويسعى للعمل بها و الله من وراء القصد.


من صفحة الكاتب في الفيس بوك