كتابات وآراء


الأحد - 06 سبتمبر 2020 - الساعة 02:28 م

كُتب بواسطة : د. عمر عبدالرحمن باوزير - ارشيف الكاتب


لقد احسنت الدخول فأحسن الخروج
يحكي ان أحد دهاة العرب ويقال انه عمرو بن العاص رضى الله عنه، دخل على ملك الروم وتحدث معه فأعجب الملك به وامر له بالعطايا والهدايا ولكن امر الحارس ان يقتله عند الخروج. وكان في المجلس أحد العرب فقال لعمرو: لقد احسنت الدخول فأحسن الخروج. فاستدرك ذلك عمرو ورجع الى الملك وقال له: ان لي عشرة اخوة وجميعهم ينشدون عطاياك. فرح الملك بذلك وقال في نفسه لاقتلن عشرة بدلا من واحد. وطلب من عمرو احضارهم، وهكذا خرج عمرو بن العاص سالما.
وهنا يحضرني سؤال هل أحسنا الدخول في جائحة كورونا لكي نحسن الخروج منها. سوف ابحث في هذا المقال باختصار عن مجال المنشأ والانتشار وسبب الوفيات لعلنا نستنبط العبر فيما إذا أحسنا الدخول ومن ثم الخروج من هذه الورطة وعليه نحسن الدخول فيما قد يلم بنا من جائحات او كوارث اخرى مستقبلا لا سمح الله.
لقد آثرت التريث في كتابة هذه الحلقة حتى تهدأ النفوس ويتحكم العقل قبل العاطفة ولا نظهر تباين واختلاف كبير في وجهات النظر وتحدث بلبلة نحن في غنى عنها مع ان اختلاف الراي لا يفسد للود قضية، ولكن كانت الموجة جائحة والتعليمات الوقائية مشددة حتى كاد يعد كفرا من يبدئ رايا مخالفا ل “خليك بالبيت". فتريثنا وقلنا كما قال الشاعر العربي:
ومَا أَنَا إِلَّا مِنْ غَزِيَّةَ إِنْ غَوَتْ... غَوَيْتُ وَإِنْ تَرْشُدْ غَزِيَّةُ أَرْشُدِ
منشأ الكورونا (الكوفيد 19):
تباينت الآراء واشتد الخلاف حول منشأ فايروس جائحة الكورونا (Covid 19) حتى كادت تقوم حرب اقتصادية او عسكرية بين الدول الكبرى. فأمريكا تتهم الصين بتصنيع هذا الفايروس والعكس.
برأيي هذا ليس صحيحا. فعلماء الاحياء المجهرية يقولون ان عدد الفايروسات بصفة عامة مثل عدد نجوم السماء. وبالتالي فهي موجودة يوم خلق الله السموات والارض ويمكن القول اننا قد اصبنا بهذا الفايروس سابقا لكن لعدم الفحص عنه لم يكتشف، و قد تكون الصين نتيجة لمراكز ابحاثها الدقيقة و المتعددة علمت بوجود هذا الفايروس و اخفته و ذلك لأسباب شتىن و هذا برايي هو الرأي الارجح. والدليل ان آخر الاحصائيات (21 اغسطس 2020) تقول ان عدد الاصابات في الصين 84917 والوفيات 4634. فهل يعقل ان تصنع الصين فايروس بهذا الخطورة وشدة الانتشار وتكون نسبة الاصابة والوفيات بهذا العدد القليل في بلد تعداد سكانه أكثر من مليار مع اللم انه حدث اثناء السنة الصينية والتي تزداد الحركة خلالها بين المدن وخاصة من مدينة وهان والتي أعلن فيها اكتشاف الفايروس وعدد سكانها 11 مليون. والدليل الآخر هناك بعض الاشخاص اصيبوا بهذا المرض مع انهم لم يذهبوا الى الصين ولم يخالطوا اي مريض.
الشيء الآخر الذي يرفع التهمة عن الصين بانها المنتجة لهذا الفايروس ان منظمة الصحة العالمية تقول ان الكوفيد 19 أصبح الآن متوطنا وعلى الدول التكيف والتعامل معه، فكان الاحرى بالمنظمة ان تقول ان هذا الفايروس موجود اصلا على الكرة الارضية وان الصين هي اول من اكتشفه ثم اخذت التدابير والاحتياطات الوقائية والإنتاجية اللازمة من فحوصات وأدوات حماية ومعدات اخرى لتسويقها ثم اخبرتنا.
انتشار الفايروس:
من المعلوم ان فايروسات الجهاز التنفسي تنتقل الى الانسان عبر الهواء سواء كان رذاذا او غيره من وسائل العدوى. وان تعرضك لاحد هذه الفايروسات لا يعني بالضرورة اصابتك للمرض. والاصابة بالمرض تعتمد على عوامل كثيرة وقد ذكرناها في الحلقات السابقة واهمها جهازك المناعي بالإضافة الى كمية الفايروسات التي تعرضت لها.
يقول خبراء الاوبئة ان نسبة انتشار فايروس الكورونا المستجد (Covid n19)
{The basic reproductive number (R0)} تتراوح من 2.6 الى 3.11 بمعنى ان الشخص المصاب يمكن ان يعدي تقريبا 3 اشخاص الذين عندهم قابلية الاصابة بهذا المرض.
ومقارنة R0 بأمراض الكورونا الاخرى ففي السارس SARS مثلا كانت 2.2 الى 3.6 وهذا يعنى لا يوجد فرق في نسبة انتشار المرض مع تلك الفايروسات وان هناك كان تضخيم في هذا الصدد بخصوص انتشار فايروس كورونا المستجد. كما ان نسبة الوفاة من فايروس الكورونا المستجد (Covid n19) هي 2 -5% تقريبا. وطريقة وسرعة الانتشار هذه لم تحدث في الصين او مدينة وهان، مع العلم ان الفايروس في الصين قد انتشر في 6 ولايات حين أعلنت الصين عن هذا الوباء.
وبالنسبة لنا في حضرموت فتسلسل الاحداث يقول:
ان اول حالة أعلن عنها في مدينة الشحر في مارس 2020
تجمع الناس في مدينة المكلا يوم الزينة (يوم الباخمري) في شهر مايو بالمئات،
مايو ايضا في مدينة تريم حضور الآلاف جنازة العلامة الحبيب علي المشهور بن حفيظ رئيس مجلس الافتاء بتريم و يقال ان سبب وفاته الكورونا
مليونيه المكلا والتي حضرها مئات الالاف من مختلف مديريات حضرموت
و اخيرا لنا اكثر من شهر تقريبا بعد السماح بالصلاة في المساجد و اقامة حفلات الزواج و غيرها و حسب
(The basic reproductive number (R0 توقعنا ان نرى الآلاف من الإصابات والوفيات فكانت النتيجة كالآتي وذلك حسب تقارير مكتب الصحة في 30 اغسطس 2020 (منصة وعي) فان اجمالي الإصابات هو492 واجمالي الوفيات 186 في ساحل حضرموت.
اسباب الوفاة:
كانت أعداد الوفيات فعلا مخيفة ومرعبة والتي عرضتها وسائل الاعلام الغربية وقيل انها بسبب الكورونا وبالأخص في شمال ايطاليا وتلقفها البعض منا وعمل لها نسخ لصق دون ان نمحص ونسأل لماذا وكيف واين.
لعلنا نستذكر ما قلناه سابقا بخصوص جهاز المناعة و دوره في الحد او القضاء على الالتهابات سوى كانت فايروسيه او غيرها و ذلك من خلال جهاز المناعة الفطري (Innate Immunity) او جهاز المناعة المكتسب (Adaptive (immunity والذي يدخل ضمنه الاجسام المضادة Antibodies و السايتوكاين Cytokines .
وتشير الابحاث الاخيرة ان سبب الوفاة المباشر في حالة الكورونا المستجد (Covid n19) هو عاصفة السايتوكاين (Cytokines storm) الذي تؤدي الى التغييرات المرضية (pathological Changes) في كثير من اجهزة الجسم ومنها الرئتين، مؤدية الى فشلها والوفاة في الحالات الشديدة.
وهناك نوعان من السايتوكاين (Cytokines) يفرزها الجسم في حالة الالتهابات. الاول تعمل على الحد من الالتهاب ويسمى Anti-inflammatory cytokines والآخر Pro-inflammatory cytokines وتعمل على تفاقم الالتهاب وهي المسؤولة عن عاصفة السايتوكروم (Cytokines storm) وذلك في حالة الافراط في كميته (overproduction).
وكما أشرنا سابقا ان جهاز المناعة معقد ويعمل في تناغم وتوازن بحيث لا يحصل افراط في انتاج
Pro-inflammatory cytokines و تحصل العاصفة.
ان اسباب الافراط في انتاج Pro-inflammatory cytokines والمؤدي الى العاصفة قد تكون وراثية او مكتسبة. والمكتسبة ليست مقتصرة على كوفيد 19 المستجد بل ممكن حدوثها مع الانواع الاخرى من فايروسات الكورونا مثل السارسSARS وفايروس الشرق الاوسط MERS و ايضا تحدث مع الالتهابات و امراض اخرى. وهناك عوامل عدة تلعب دور مهم في التأثيرات المناعية ((immunomodulatory effects مؤدية الى هذه العاصفة.
وبرأيي يلعب الكبد دور اساسي في التأثيرات المناعية (immunomodulatory effects) والتي قد تؤدي الى عاصفة السايتوكاين، و ذلك للأسباب التالية:
اولا: الكبد اكبر عضو داخلي في جسم الانسان و بالتالي فهو يحتوي على أعلى نسبة من الخلايا البلعمية Macrophages و التي تفرز الكثير من السايتوكاين،
ثانيا: تتم فيها التخلص من المواد السامة والخلايا الميته و الجراثيم ومنها الفايروسات،
ثالثا: تخزن فيه الكثير من المواد مثل الفيرتين Ferritin حيث وجدت منه نسب عالية في حالة عاصفة السايتوكاين، و يخزن ايضا فيه فيتامين د و الذي يلعب دور مهم في المناعة، بالإضافة الى الوظائف الاخرى التي تخص الكبد.
ومما سبق يمكن استنتاج التالي:
اولا: ان هذه الفايروسات وغيرها موجودة منذ خلق الله السموات و الارض و تسبب الامراض حين تتوفر لها البيئة المناسبة بتقدير المولى عز و جل و بالتالي ليست الصين هي من صنعت هذا الفايروس.
ثانيا: انتشار فايروسات الجهاز التنفسي بين البشر يتم عبر طرق عدة وليس الرذاذ وحده. وبالتالي ممكن ان تصاب به حتى و ان لم تكن مخالطا لمريض الكورونا.
ثالثا: سبب الوفاة في الكورونا ليس الفايروس مباشرة وانما يأتي تحت طيف واسع من متلازمة افراط الالتهاب Hyper-inflammatory syndromes. ويلعب الكبد دور مهم في هذه المتلازمة.
رابعا: عدم انتشار هذ المرض بالشكل المخيف عندنا والذي رأيناه في الدول الغربية ناتجا عن عدة عوامل وقد ذكرناها في الحلقة الثانية، منها مناعة القطيع، تقاطع المناعة Cross immunity بالإضافة الى سلوكيات مجتمعنا، وهذا ما عززته الأبحاث الأخيرة.
الخلاصة:
1. هناك الكثير من الحقائق اخفت في هذه الجائحة. كما استغلت هذه الجائحة لمآرب شتى. فلا يستبعد ان تكون الصين استعدت لهذه الجائحة وخاصة انتاج وسائل الحماية والفحوصات والتطعيمات وذلك قبل ان تبلغ منظمة الصحة العالمية، وتحصل على مبتغاها بتسويق منتجاتها وهو ما حصل فعلا من تهافت الدول لهذه المنتجات، وقد يكون هناك لاعبون آخرون شاركوها في التهويل لهذه الجائحة واستغلوها لمآرب أخرى غير الاقتصادية.
2. ان الافراط في التباعد الاجتماعي و "خليك في البيت" ووسائل الحماية المشددة قد حد من انتشار المرض ولكن في المقابل تسبب في الكثير من الاضرار الجانبية سوى كانت اقتصادية، او مجتمعية وغيرها. فقد حرم الكثير من اكتساب المناعة الطبيعية ولهذا تشهد الان بعض الدول التي شددت على التباعد الاجتماعي موجة ثانية وقد تكون هناك موجة ثالثة حتى نصل الى مناعة القطيع (Herd Immunity).
3. ان نسبة الوفاة من هذه الجائحة ضئيلة ولا تختلف عن الكورونات الأخرى او الامراض التي تؤدي الى متلازمة افراط الالتهاب Hyper-inflammatory syndromes وعليه كان المفروض التعامل بالمثل.
4. ان الكبد يلعب دور مهم في متلازمة افراط الالتهاب Hyper-inflammatory syndromes، فالمحافظة عليه وسلامته سوف تجنبا الكثير من هذه الامراض وغيرها.
5. ان الإصابات الشديدة في كبار السن او المصابين بالأمراض المزمنة برأيي هو عدم سلامة الكبد، وذلك بسبب تأثير هذه الامراض نفسها على الكبد او تأثير الادوية المستخدمة لهذا الامراض على الكبد، او العرضة للسموم مع طول العمر لهذا نرى نسبة الإصابة الشديدة قليلة جدا في الأطفال. وهناك الكثير المصابين بأمراض مزمنة لم يصابوا بالكورونا أوأصيبوا بحالة خفيفة بسبب سلامة اكبادهم.
6. علينا تخصيص بعض مليارات الدولارات للبحث العلمي و الامن الغذائي بدلا من هدرها في مجالات اللهو والترفيه. فعلى سبيل المثال يصرف على القات في اليمن أكثر من 2 مليار دولار سنويا، وفي بقية الدول العربية حدث ولا حرج.
7. علينا ان نكون فاعلين Active وليس عاجزين او سلبيين Passive في التعامل مع هذه الاوبئة وغيرها، وذلك من خلال جامعاتنا ووزارات الصحة، واتخاذ القرارات اللازمة وما نراه مناسبا لبيئتنا ومجتمعنا وضمن امكانياتنا ولا ننتظر ما يمن به او يفرضه الغير علينا.
ولقد رأينا كيف كان التنافس والتناحر بين الدول وكلا فضل مصلحة بلاده اثناء الجائحة على أي اعتبار آخر.
8. لنعلم تماما ان الاصابة بالأمراض تعتمد على عوامل عدة سوى كانت وراثية، بيئية، او سلوكيات مجتمعية، وبالتالي ليس بالضرورة ان يكون انتشار المرض والاصابة به عند الغير مثله عندنا تماما. فمثلا في حالة فايروس كورونا 19 المستجد وجد ان المستقبلات (Receptors) وهي ACE2 التي تسمح للفايروس بالدخول الى اجسامنا تكون في اجناس أكثر من غيرها. وقد تكلما في هذا في الحلقات السابقة.
9. اتخاذ كافة الإجراءات الاحترازية في التعامل مع كل جائحة او كارثة دون افراط او تفريط
10. وأخيرا نسأل الله ان يوفقنا بحسن الدخول والخروج أيضا من كل الازمات والكوارث التي ستواجهنا مستقبلا.

من صفحة الكاتب على الفيس بوك