الإثنين - 12 أكتوبر 2020 - الساعة 05:48 م
كلنا نعرف - حتى أشد المتفائلين- إن الأمور من حولنا في كثير من الجوانب إن لم تكن كلها حين الدخول في تفاصيلها، أنها مخيبة. والعذر هذه الأيام أقوى مما كان عليه في أوقات سابقة.
لكن السبب ليس بالجديد بل هو متأصل وقديم، ولن نخرج من هذه الدائرة الموحلة ما لم تتم معالجته.
حين زار المستشرق الهولندي (دانيان فال در ميولين) برفقة صديقه( فيسان) حضرموت ودونا رحلتهما في كتاب بعنوان ( حضرموت، إزاحة النقاب عن بعض غموضها) ذكر المؤلف أنهما حين وصلا سيئون استقبلهما السلطان (علي بن منصور الكثيري )بحفاوة وتحضر ، ومكثا عنده بضعة أيام. وكان السلطان ومن حوله يطلبون وجهة نظر (دانيال) كونه هولندي وهو في رحلة مكفولة من دولته، وكانت هولندا لها تأثيرها الكبير في دول شرق آسيا التي يوجد فيها الكثير من الحضارم بل وتعتبر مصدر قوتهم المادية . وكان السلطان كما دون الرحالة يريد منهما أن ينقلا طلباته إلى الحكومة الهولندية والتي في الأصل تتعلق بمشاكل الحضارم فيما بينهم البين في تلك البلدان .
ثم وكما أخبر الرحالة ، إن السلطان كان يسئلهم لكي يصنعوا مقارنات مابين الحال في هولندا وبلدان شرق آسيا وما بين الواقع في حضرموت بشكل عام . فقال الرحالة (أجبت السلطان بصراحة أنني قد شعرت بالخيبة مما رأيته) وهو لا يقصد الوضع الاقتصادي كما شرح بل والوضع الاجتماعي والخلافات التي تعصف بالحضارم . وقال للسلطان ( عليكم ألا تبحثوا عن المساعدة من الخارج، لا من هولندا ولا انجلترا ولا أي مكان تتوقعون منه المساعدة، بل عليكم أن تبحثوا عن قوتكم في أنفسكم، وإن عليكم أن تتوحدوا، وأن تشمروا عن أياديكم لبناء بلدكم بأنفسكم وستستطيعون) .
لقد ضرب الهولندي كبد الحقيقة، الحقيقة التي تخفي ورائها أحد أكبر وأهم الأسباب في هذا الحال الذي نعيشه حتى الآن بعد مرور الكثير من السنوات منذ تلك الليلة التي تحدث فيها مع السلطان .
إنها ليست حكاية للمتعة بل هو الواقع المؤسف. والأكثر من ذلك سوءا هو أن التفكك والخلاف تعمق في ثقافتنا حتى إن الكثير من الناس قد ألبسوه لباس الفخر والعزة، وأصبح حديث المجالس للأسف يتطرق إلى هذا التفتت والتخلف بشيء من الزهو في طيات حديثهم عن الصراعات القبلية وكون أحدهما أشرس من الأخرى وأكثر دموية .
وفي خط مواز لذلك الحديث، يستمر تمزيق المجتمع بتجديد إحياء الفوارق الطبقية بين طبقات المجتمع بطريقة تجعل منه -أي المجتمع- أكثر تمزقا وضعفا.
لا يمكن لنا كسر هذه الحلقة اللئيمة التي التهمت حياة أجيال كثيرة من دون أن يستطيعوا الخروج منها إلا ببناء وعي قوي بمدى تخلفها وقبحها. وبإرادة قوية ونظيفة ممن هم في مقام التأثير في المجتمع سياسيا وثقافيا ودينيا. لنصنع طريقة للتخلص من تفككنا وضعفنا . أولا بالاعتراف به، وثانيا بإيجاد السبل المناسبة لحله. سبل تتدفق في كل عروق المجتمع بدون استثناء وبإخلاص والأهم : من أشخاص يؤمنون بها .