كتابات وآراء


الإثنين - 19 أبريل 2021 - الساعة 05:43 م

كُتب بواسطة : د. أيمن سمير - ارشيف الكاتب


أعلنت إيران أكثر من مرة أنها تسيطر على 4 عواصم عربية هي صنعاء ودمشق وبغداد وبيروت، بينما تتمركز قوات وقواعد عسكرية تركية في 5 دول عربية هي قطر وسوريا والعراق وليبيا والصومال، وهذا ما يؤكد أن الأراضي العربية أصبحت ساحة للأطماع التركية والإيرانية، وساد انطباع لدى الكثيرين بما فيهم بعض الباحثين أن هناك «تنافسًا وصراعًا أيدلوجيًا وقوميًا» بين إيران الفارسية «الشيعية» من جانب، والقوميين الأتراك «السنة» من جانب آخر، إلا أن الحقيقة تقول بأن البلدين لم يدخلا أي حرب طوال 300 عام، وحافظا طوال هذه الفترة الطويلة على مساحة واسعة من المصالح المشتركة، والتعاون في مناطق استراتيجية من العالم مثل الشرق الأوسط وآسيا الوسطي والقوقاز.

لكن تأسيس جماعة الإخوان المسلمين عام 1928 ثم اندلاع ما يسمى بالثورة «الإسلامية» في إيران عام 1979 أعطى زخمًا كبيرًا للتنسيق في الأهداف والمصالح الإيرانية التركية التي توسعت في العقدين الأخيرين لتصل حتى القارة الأفريقية وجنوب الجزيرة العربية، وذلك بالتزامن مع وصول حزب العدالة والتنمية «الإخواني» للحكم في تركيا عام 2002؛ فقد دعمت إيران بقوة وصول الإخوان إلى سدة الحكم في تركيا ومصر وتونس وليبيا وحماس في فلسطين كرد الجميل للتنظيم الإخواني الذي رحب بقوة بالثورة الإيرانية «الإسلامية» في إيران، ووقف التنظيم الإخواني مع إيران ضد العراق في حرب الثماني سنوات، كما حاولت إيران بناء نظام أمني في عهد الرئيس المعزول محمد مرسي قائم على فكرة «الحرس الثوري» الإيراني، وهو ما تم تنفيذه في تركيا على يد أردوغان عبر تأسيس كيانات عسكرية وأمنية موازية للجيش التركي أمثال «حراس المدن» و«حراس الليل» وشركة «صادات» وغيرها، ساعده في ذلك قاسم سليماني قائد فيلق القدس السابق.

ورغم أن كلًا من إيران وتركيا يدعمان طرفين مختلفين في صراع جنوب القوقاز وفي ناجورنو كارباخ، إلا أن من ينظر إلى آسيا الوسطى وما طرأ عليها خلال العقدين الماضيين يتأكد له أن كلا من طهران وأنقرة لعبا الدور الأهم وراء صياغة كل جديد في هذه المنطقة، وأن البلدين يتقاسمان النفوذ والمصالح في هذه المنطقة من العالم.

وتتسع دائرة المصالح بين إيران والتنظيم الدولي للإخوان ممثلاً في حزب العدالة والتنمية التركي إلى الجوانب الاقتصادية، حيث وضعت أنقرة وطهران هدفًا اقتصاديًا، وهو الوصول بالتجارة البينية بين البلدين إلى 30 مليار دولار، فما هي حقيقة العلاقة بين تركيا وإيران؟ وكيف تنسق أنقرة وطهران مصالحهما ضد الدول العربية؟ وما هي مساحات الاتفاق والاختلاف بين القوتين الإقليميتين؟ وما مدى تأثير هذا التنسيق والتوافق في الأفكار والمصالح بين البلدين على المصالح العربية؟



علاقة وطيدة بين الإخوان وملالي إيران

لم يكن صدفة أن يوجه المرشد الحالي للثورة الإيرانية علي خامنئي خطبة يوم الجمعة 25 يناير (كانون الثاني) 2011 إلى متظاهري ميدان التحرير باللغة العربية، ويؤكد دعمه لما سماه بشركاء الثورة الإيرانية في القاهرة، فقد كان هناك تاريخ طويل من التعاون بين تنظيم الإخوان والإيرانيين، وهو ما وضح في التنسيق الكامل بين إيران وتركيا في عهد حزب العدالة والتنمية، وترجع علاقة الإخوان بإيران إلى ثلاثينيات القرن الماضي وأخذت المسارات التالية:

1 - تعود بداية العلاقة بين الإخوان وإيران إلى مؤسس التنظيم نفسه حسن البنا عندما التقى البنا مع رجل الدين الإيراني محمد القمي، الذي قدم تصورًا لحسن البنا حول التقارب بين المذاهب في ذاك الوقت المبكر من الثلاثينيات، ووفق ما نشرته مجلة «النذير»، فإن البنا التقى الخميني عام 1938 الذي كان اسمه وقتها روح الله مصطفى الموسوي، واتفق معه على العمل معاً من خلال الدعم المتبادل بين المجموعات الإيرانية في المنطقة وجماعة البنا الجديدة في ذلك الوقت.

2 - واصل شيوخ الإخوان في الأزهر الشريف خطوات البنا بعد رحيله في تعميق العلاقات مع إيران، وكانوا يلتقون بشكل دوري مع رجلي الدين الشيعيين محمد القمي وآية الله الكاشاني.

3 - كانت فترة الخمسينات بداية العمل الميداني المشترك بين الإخوان والقيادات الشيعية الإيرانية، حيث التقى عام 1953 سيد قطب مع مجبتي نواب صفوي زعيم منظمة «فدائي الإسلام الإيرانية»، وهي منظمة ترى في العنف هو الوسيلة الوحيدة للتغير، وهو مبرر كامل للقيام بالأعمال الإرهابية.

4 - قيام الخميني «المرشد الأول» ومؤسس الجمهورية الإسلامية الإيرانية عام 1966 بترجمة كتب سيد قطب خاصة كتاب «المستقبل لهذا الدين»، وحمل الكتاب المترجم للفارسية عنوان «بيان ضد الحضارة الغربية»، وفي التمهيد للترجمة أشاد الخميني بسيد قطب ووصفه بـ«المفكر المجاهد»، وأن كتبه تشكل خطوة على طريق توضيح معالم الرسالة الإسلامية، ثم قام الخميني بترجمة كتاب سيد قطب «في ظلال القرآن» وحرص على توزيعه في إيران وباكستان.

5 - استقى نظام الحكم في إيران فكرة «المرشد الأعلى» للثورة الإيرانية من «المرشد العام للإخوان»، ولهذا هناك تشابه كبير بين النظام السياسي الإيراني والنظام السياسي الذي أراد الرئيس محمد مرسي تأسيسه في مصر، رغم أن هناك خلافات حول دور الشعب في النظامين.

6 - قبل قيام الثورة الإسلامية في إيران ذهب وفد من الإخوان إلى فرنسا، والتقى بالخميني في مقر إقامته هناك وقبل عودته لطهران، وطلبوا منه أن يعلن نفسه خليفة للمسلمين، وأنهم يستطيعون أن يجمعوا له البيعة من فروع الجماعة في العالم، لكن الخميني قال لهم إنها خطوة متعجلة، وطلب منهم الانتظار لحين إعلان الدستور الإيراني الجديد، وكان الخميني يهدف إلى ضم عدد من الدول السنية تحت قيادة إيران حتى يتسنى له إعلان تلك الخطوة لاحقا، ولهذا السبب تم إنشاء حزب الله في لبنان والحوثي في اليمن والأحزاب الموالية لإيران في العراق وإثارة النعرات الطائفية في الدول الأخرى.

6 - كانت جماعة الإخوان هي الجماعة الوحيدة في العالمين العربي والإسلامي التي هنأت الخميني بنجاح الثورة الإسلامية عام 1979، وخرج الإخوان في مظاهرات في الدول العربية والإسلامية دعماً للثورة الإيرانية، ومنها مظاهرات للإخوان في جامعتي عين شمس والقاهرة بمصر، وعرضت الجماعة العمل بكل قوة مع حكام إيران الجدد تحت مظلة المرجعية الإسلامية، وقام وفد كبير من الإخوان بزيارة طهران لدعم الثورة الخمينية، وكان في إحدى هذه الزيارات، يوسف ندا وفقاً لأوامر صدرت له شخصياً من المرشد العام عمر التلمساني، حيث تحدثوا مع الخميني عن ضرورة أن يكون للإخوان جمعية في إيران، فوافق، وقال إنه تأثر بحسن البنا، وإنه أطلق على نفسه لقب المرشد تأثراً وتيمناً بلقب المرشد الذي كان لحسن البنا، ولهذا عارض الإخوان بشدة استضافة الرئيس أنور السادات لشاه إيران.

7 - ساند الإخوان إيران في حربها ضد العراق، لأن التنظيم كان يرى أن هزيمة نظام الملالي كفيلة بإنهاء حلمهم في تكرار التجربة الإيرانية في البلدان العربية، كما أن إيران كانت تهدف من وراء دعم الإخوان وضع قدم لها، وموطئ نفوذ في تلك الدول تعيد به أحلامها في الهيمنة والسيطرة، فكما أن إيران تسعى لنشر أذرع لها في المنطقة مثل الحوثيين وحزب الله كانت ولا تزال ترى أن الإخوان ذراع سياسية وشعبية واقتصادية كبيرة يجب استغلالها لتحقيق أهدافها.

8 - عندما توفي الخميني عام 1989 حزنت الجماعة بشدة عليه ونعته، ووصفته بأنه فقيد الإسلام، ومن كبار المجاهدين ضد الطغاة، وعندما تولى علي خامنئي المرشد الحالي، الذي يوصف بأنه من أشد المعجبين بسيد قطب أدرج أفكار ونظريات سيد قطب التي تتعلق بالجهاد العالمي العابر للحدود في مناهج مدارس الإعداد العقائدي للحرس الثوري الإيراني.

9 - كان علي خامنئي أول المهنئين للرئيس الأسبق محمد مرسي بالفوز بالرئاسة عام 2012، وفي فبراير (شباط) عام 2013 زار الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد القاهرة، وهي الزيارة الأولى لرئيس إيراني لمصر منذ عام 1979، وقبلها قام مرسي بزيارة لطهران لحضور مؤتمر العمل الإسلامي عام 2012.

10 - رحب النظام الحاكم في إيران باغتيال الرئيس الراحل محمد أنور السادات عام 1981، وأطلقت إيران اسم القاتل خالد الإسلامبولي على الشارع الذي توجد فيه السفارة المصرية في طهران حتى عام 2004. وكثيراً ما يتم رفع صور الإسلامبولي في المظاهرات الإيرانية، وتتوسط صور كبيرة للإسلامبولي بعض ساحات العاصمة طهران، حيث يوجد له «قبر» تذكاري أيضاً، ووجد كل ذلك ترحيبًا وسعادة كبيرة من الإخوان.

11 - حاولت إيران مساعدة الإخوان عندما وصولها للحكم في مصر عبر العمل على إنشاء جهاز أمني إخواني غير معلن هويته الحقيقية تابع لرئاسة الجمهورية، وأن عناصر من الحرس الثوري الإيراني زارت مصر خلال فترة حكم الرئيس المعزول محمد مرسي لتدريب عناصر من الإخوان على إنشاء أجهزة أمنية موازية بديلة، على غرار الحرس الثوري، بعد فشل مرسي في السيطرة على الأجهزة الأمنية المصرية وإخضاعها لصالح الجماعة، فالإخوان ينظرون للثورة الإيرانية على أنها النموذج الملهم للثورات، وحكم الملالي من وجهة نظرهم هو النموذج الذي يجب أن يكون عليه الحكم الإسلامي بعد بناء ما يطلقون عليه «المجتمع المسلم».



تركيا وإيران في «خندق واحد»

تؤكد الحقائق السابقة أن التعاون بين حكومة حزب العدالة والتنمية بزعامة الرئيس رجب طيب أردوغان مع إيران ليست عابرة، وأنها متجذرة ويتم العمل عليها يومياً لتكون أكثر عمقاً وتوافقاً مع المتغيرات الحالية، وتعمل أنقرة وطهران من «نفس الخندق» في مجموعة كثيرة من الملفات والقضايا وهي:

1 - توظف كل من تركيا وإيران القضية الفلسطينية لخدمة أجندتهم السياسية في المنطقة في العالمين العربي والإسلامي، وتزايد أنقرة وطهران على الدول العربية في الملف الفلسطيني، ومن أجل تحقيق مصالحهما لعب البلدان دور كبيراً في تقسيم الساحة الفلسطينية، فخلال العقدين الماضيين دعمت كل من تركيا وإيران حركة حماس «الإخوانية» أمام كل الحركات والفصائل الوطنية الفلسطينية، وساعد تبني القضية الفلسطينية في دعم شعبية وقواعد النظامين في الداخل التركي والإيراني، لكن تدخلهما كان العامل الأول في تقسيم الساحة الفلسطينية واستمرار الانقسام الفلسطيني، لكن الأرقام تؤكد أن تركيا وإيران خارج القائمة التي تضم أكبر 20 دولة داعمة للشعب الفلسطيني.

2 - تعمل كل من طهران وأنقرة على الوصول لأعلى مستوى من الخبرة في المجال النووي، فكلاهما يؤكد حق الآخر في تملك برنامج نووي سلمي، ورغم أن العالم أكثر انشغالاً بالبرنامج النووي الإيراني إلا أن تصريحات تركيا الداعمة للموقف الإيراني تؤكد أنهما متوافقان على ضرورة الحصول على القنبلة النووية في المستقبل، فقد رحبت أنقرة باتفاق 5+1 مع إيران في يوليو (تموز) 2015. وسبق لأنقرة أن استضافت محادثات بين إيران والغرب حول الملف النووي عام 2010. ووقفت تركيا ضد العقوبات التي فرضها الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب على إيران منذ الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي في مايو (أيار) 2018. كما تعمل أنقرة على رفع الحصار عن إيران حتى تستطيع الحصول على المزيد من الصفقات التجارية مع إيران من ناحية، وتثبيت سابقة في المنطقة بأحقية الدول في امتلاك برنامج نووي، وهو ما يدعم طموحات أنقرة في تملك برنامج نووي طموح في المستقبل القريب.

3 - لعبت أنقرة دوراً كبيراً في مساعدة طهران على استدراج المعارضين الإيرانيين من كل دول العالم للأراضي التركية وتسليمهم بعد ذلك للمخابرات الإيرانية.

4 - رفضت تركيا إدانة كل المظاهرات التي خرجت ضد النظام الإيراني في الداخل الإيراني أو ضد حلفاء إيران في العراق ولبنان.

5 - دعمت كل من تركيا وإيران، الدوحة، خلال فترة الخلاف بين الرباعي العربي وقطر الذي بدأ في 5 يونيو (حزيران) 2017 وانتهى باتفاق العلا في 6 يناير 2021. وشكل الدعم الثنائي التركي الإيراني السبب الأبرز في صمود قطر أمام المقاطعة الرباعية.

5 - تتقاسم تركيا وإيران النفوذ في العراق، ففي الوقت الذي تسيطر طهران على مفاصل الدولة العراقية من خلال المجموعات المسلحة الشيعية ودستور 2005 الذي يعطي الشيعة السلطة الأكبر من خلال رئاسة الوزراء، إلا أن تركيا تحاول السيطرة على شمال البلاد بدعوى مكافحة حزب العمال الكردستاني، كما تقول تركيا علانية أن محافظة الموصل محافظة تركية، ويوجد أكثر من 20 قاعدة تركية شمال العراق أبرزها معسكر بعشيقة على عميق 130 كلم جنوب الحدود التركية.

6 - تتشارك تركيا وإيران أيضاً في تقسيم النفوذ في سوريا، فرغم أن إيران دعمت الحكومة السورية وسعى أردوغان لإسقاط حكومة الأسد، إلا أنهما ومنذ عام 2017 يتشاركان في رعاية مسار «الآستانة» و«سوتشي»، وهو ما يسمح لتركيا بمواصلة وجودها في شمال غربي سوريا (ريف حلب الشمالي وإدلب)، والتنسيق في شأن وضع إدلب والترتيبات الخاصة بإنهاء وضعها العسكري كقاعدة تمركز للمنظمات المتطرفة، والتنسيق أيضًا في شأن المناطق الكردية في شمال سوريا وعلى قاعدة المعادلة التالية «إدلب مقابل الأكراد»، ووفق هذه المقايضة تساعد إيران تركيا في ضرب الأكراد مقابل مساعدة تركيا لإيران في ترتيب وضع إدلب، وهو ما يعني عملياً تقسيم النفوذ بين الجارتين على حساب الشعب والأرض السورية.

7 - هناك اتفاق كامل بين الأجندة الإيرانية والأجندة التركية فيما يتعلق بالأكراد، فتركيا كما هي إيران تنظر للأكراد بأنهما خطر على وحدتهما الداخلية ومشروعاتهم العابرة للحدود، لهذا تقف تركيا وإيران في نفس الخندق ضد المحاولات الانفصالية للأكراد في العراق أو سوريا، والتضييق على الأكراد في الداخل الإيراني والتركي.

8 - في الوقت الذي تسيطر فيه إيران على القرار في لبنان من خلال حزب الله وحركة أمل الشيعية، فإن تركيا تراهن على سكان الشمال وخاصة سكان طرابلس وتعمل من خلال مؤسساتها مثل «تيكا»، ومنح الجنسية التركية لمن هم من أصول تركية.

9 - تحليل كل ما حدث في اليمن ينتهي إلى خلاصة واحدة وهي أن تركيا بالتعاون مع إيران هم من عطلوا جهود التحالف العربي في اليمن، فكل المحاولات العسكرية للشرعية جرى إفشالها من جانب تركيا عبر حزب الإصلاح اليمني التي أكدت كل التفاضل أنه لم يحارب يوماً الحوثي في أي جبهة، ولهذا الوصف الاستراتيجي لما جرى في اليمن منذ فجر 26 مارس (آذار) 2015 هو أن «التجمع الوطني للإصلاح» الإخواني والمدعوم من تركيا وقف بجانب الحوثي طوال السنوات الست الماضية وليس بجانب الشرعية، وبالتالي ساعدت تركيا عملياً إيران والحوثيين، وهو ما جعل إيران والحوثيين منفتحين على وجود دولة «إخوانية» في اليمن جرى التجهيز لها خلال السنوات الماضية من خلال حصول إخوان اليمن على الأموال والسلاح بزعم محاربة الحوثي، لكن ما تم كشفه في معسكر الحجرية يؤكد عمل تركيا وإيران من خلال وكلائهما في اليمن «الحوثي – الإخوان» على قيام كيانين سياسيين الأول للحوثي والثاني للإخوان.

10 - تعمل تركيا جنباً إلى جنب مع إيران في أفريقيا وخاصة في الصومال، ففي الوقت التي توجد فيه قاعدة عسكرية كبيرة لتركيا في الصومال تتداخل إيران بشكل غير مسبوق مع القبائل والمناطق الصومالية خاصة البعيدة، حتى تبقى عيناً على كل ما يحدث في جنوب الجزيرة العربية وبحر العرب والقرن الأفريقي، كما تعمل كل من طهران وأنقرة على التوغل في القارة الأفريقية واستغلال تراجع النفوذ التقليدي للاستعمار القديم، ولهذا التفسير الإيراني والتركي للإسلام هو الأكثر انتشارًا في أفريقيا بسبب المدارس والمؤسسات الثقافية التركية، وكذلك البعثات الإيرانية، ونشر المذهب الشيعي هناك اعتمادًا على القاعدة الصوفية الكبيرة لشعوب جنوب الصحراء.

11 - دعمت إيران بشكل واضح وصريح وكامل الأجندة التركية في ليبيا وقدمت دعم كبيراً لحكومة الوفاق السابقة برئاسة فائز السراج.

12 - هناك تشابه بين النظامين التركي والإيراني، وهو المزج بين الأبعاد الأيدلوجية والقومية، فالنظام الإيراني يجمع بين القومية الفارسية والبعد الأيدلوجي، وبالإضافة إلى دفاعه عن القومية الفارسية يصور نفسه براعي الأقليات الشيعية في المنطقة والعالم، نفس الأمر بالنسبة لتركيا، حيث يجمع ما يسمى بـ«تحالف الشعب» حزب العدالة والتنمية ذا الأيدلوجية الإخوانية، والحزب القومي التركي القومي بزعامة دولت بهشتلي.

13 - ترى إيران في تركيا أنها أهم شريك تجاري ساعدها في الصمود أمام الحصار والعقوبات الأميركية، وكانت تركيا هي المكان الذي تعقد فيه كل الصفقات المشبوهة لصالح إيران، التي تلتف على العقوبات الغربية والدولية، وجزء رئيسي من العملات الأجنبية التي تحصل عليها إيران تأتي من تركيا حيث تمارس طهران هناك نظام المقايضة القائمة على مقايضة البترول بالذهب، وبعد ذلك يتحول الذهب إلى العملات الأجنبية، أما تركيا فتحصل على النفط الإيراني بسعر مميز للغاية، كما تعد السوق الإيرانية مكانًا لتصريف البضائع التركية، ودائمًا ما يميل الميزان التجاري لصالح تركيا.

14 - تركيا هي الدولة الوحيدة في الشرق الأوسط التي أدانت اغتيال قاسم سليماني قائد فيلق القدس السابق في ظل معلومات نشرتها المعارضة التركية تؤكد أن سليماني أسس بالفعل «حرسًا ثوريًا تركيًا»، «وأن هذا الحرس الثوري التركي هو ما شاهده العالم وهو يعتدي على الشعب التركي على جسر إسطنبول أثناء أحداث 15 يوليو 2016».

15 - تتشابه وسائل تركيا وإيران في التمدد وتحقيق النفوذ في المنطقة العربية وخارجها، فكلاهما يعتمد على الميلشيات والمجموعات المسلحة خارج نطاق الدولة، فثبت بالدليل القاطع احتضان إيران لتنظيم القاعدة «السني»، وهو نفس التنظيم الذي تدعمه تركيا في سوريا والعراق وليبيا ومنطقة الساحل والصحراء والصومال، وكما تعتمد تركيا على المرتزقة والميلشيات تعتمد إيران على ميليشياتها المعروفة في العراق وسوريا ولبنان واليمن، كما تعتمد أنقرة وطهران على دعم حكومات عميله تبدو وكأنها حكومات مستقلة لكنها تعمل على تحقيق الأهداف الإيرانية والتركية.

16 - لا تؤمن كل من إيران وتركيا بالدولة الوطنية، فكلاهما يعمل على تأسيس «الخلافة» العابرة للحدود سواء من خلال القراءة الإيرانية أو التصور التركي، والتي تعمل من خلالها على التدخل في شؤون الدول الأخرى، والعبث بالأمن القومي لدول الجوار، وكلاهما يعملان على مشروع كوني عابر للحدود ولا يحترم سيادة ووحدة أراضي الدول الأخرى.



محاور التنافس

رغم الأهداف المشتركة والعمل معاً في أكثر من منطقة في الشرق الأوسط وأفريقيا وآسيا الوسطى، إلا أن التنافس بين وإيران وتركيا قائم في عدد من الجبهات ومنها:

1 - تدعم إيران أرمينيا ضد أذربيجان في جنوب القوقاز بينما تدعم تركيا أذربيجان، ويرجع ذلك للعداء التاريخي بين الأرمن والأتراك منذ المذابح الجماعية التي أرتكبها الأتراك بحق الأرمن عام 2015، ناهيك عن أن سكان أذربيجان شيعة، لكنهم من العرق التركي العثماني، بينما تدعم إيران أرمينيا خوفاً من تمدد نفوذ أذربيجان، حيث يصل عدد الأذريين في إيران 24 في المائة من سكان، وهو ما يطلق عليهم «أذربيجان الجنوبية»، ولهذا تعتبر إيران أن أي مكاسب جيوسياسية لأذربيجان تشجع الأذريين على التمرد على الدولة الإيرانية، بينما تقوم الحسابات التركية على أن أي إضعاف للأرمن هو مكسب لتركيا لذلك دعم الأتراك أذربيجان في كل حروبها ضد أرمينيا، ولذلك حدث خلاف إعلامي عندما أنشد أردوغان قصيدة تتحدث عن أذربيجان وهو ما اعترضت عليه إيران وتجاوزت إيران وتركيا هذا الحديث خلال يومين فقط.

2 - لا تنظر إيران بارتياح لتأسيس «الاتحاد التركي»، الذي تشكل عام 2009، ويتكون من دول آسيا الوسطي الناطقة بالتركية وتراه يعطي نفوذًا كبيرًا لتركيا في جنوب القوقاز، لذلك تحاول إيران خلق نفوذ كبير في أفغانستان وطاجيكستان الناطقتين بالفارسية.



سيناريوهات:

السيناريو الأول: استمرار التحالف والتعاون بين إيران وتركيا في المرحلة القادمة، وسوف يتعزز هذا التحالف خاصة بعد المصالحة العربية مع قطر، لأن المحور الإيراني التركي في المنطقة زادت ثقته بنفسه على ما تحقق له على حساب الأراضي العربية خلال العشر سنوات الماضية، ونسبة هذا السيناريو تصل إلى 75 في المائة، وبناء عليه لا يمكن تصور بناء ما يسمى «بالتحالف السني» في الشرق الأوسط ضد إيران، لأن تركيا ومن خلفها جماعة الإخوان ترى في إيران حليفًا استراتيجيًا، وليس من أولوياتها أن تتبنى حلفًا مع السعودية ومصر لقيادة المنطقة، فوفق هذا السيناريو فإن العلاقات التركية العربية يمكن أن تتحسن، لكن لا توجد فرصة ليكون هناك «تحالف» بين تركيا والدول العربية السنية الأخرى ضد إيران، بل على العكس نجحت تركيا ليس فقط في تعزيز العلاقة مع إيران، بل ساهمت في تعزيز العلاقات الإيرانية مع قوى سنية أخرى في العالم مثل باكستان وماليزيا، وكل هذا يصب في صالح العلاقات الخاصة جداً بين أنقرة وطهران، ولا ينعكس إيجاباً على العلاقات التركية العربية.

السيناريو الثاني: فتور العلاقات بين إيران وتركيا نتيجة لضغوط أميركية على تركيا، أو حاجة تركيا لتعزيز مصالحها الاقتصادية بعد المقاطعة العربية للمنتجات التركية، واحتمالية هذا السيناريو لا تزيد عن 10 في المائة، لأن الولايات المتحدة نفسها في الطريق لتطبيع علاقاتها مع إيران عبر العودة للاتفاق النووي، كما أن الدول العربية باتت أكثر إدراكاً بأن العلاقات العربية التركية في ظل أردوغان لا يمكن أن تكون كما كانت قبل 2011 بعد أن ظهرت الكثير من النيات التركية خلال العقد الأخير.

السيناريو الثالث: تفاقم الخلافات التركية الإيرانية التركية، ونسبة هذا السيناريو لا تزيد عن 10 في المائة، ويمكن أن يحدث هذا لو تم إزاحة حزب العدالة والتنمية من الحكم، وعودة القوميين، ومشاركة الأكراد في الحكم بما سيزيد من الأبعاد القومية في السياسة الخارجية التركية وهذا قد ينقل مساحات التنافس بين طهران وأنقرة إلى مساحات صراع خاصة في آسيا الوسطي التي ترى كل من إيران وتركيا أنها تشكل الخلفية السياسية والنفوذ الطبيعي.