كتابات وآراء


الثلاثاء - 05 أبريل 2022 - الساعة 11:09 م

كُتب بواسطة : أمجد الرامي - ارشيف الكاتب



دوماً كنت أردد في قرارة نفسي أن هذا الرجل تأخر كثيراً ، و أنه لو تولى الحكم في سبعينات أو ثمانينيات أو حتى تسعينات القرن الماضي ، لما كان حال المنطقة كما هي اليوم ، و لكف كثراً من الشرور التي نبعت بجانب منابع النفط والتي غمرت كل أرجاء المعمورة .
الحوار ينم عن شخص ذو ثقافة ليست بالهينة ، شخص ملم بالتاريخ وبجانب من العلوم الشرعية ويمتلك رغبة في التغيير، تناول الحوار بشكل مواضيعاً شتى منها ( التحول في السعودية – إشكالية الأصولية الإسلامية – الوهابية وبن عبدالوهاب – الاعتراف بالتنوع الديني – نظام البيعة والحكم – الصلاح الديني – القانون الجنائي – خاشقجي – أمريكا والعلاقة بها – العلاقة مع ايران قطر إسرائيل ) وخلال هذه الاسطر سنوجز الحديث عن أهمها .

التحول والحداثة في السعودية :
اكد الأمير بن سلمان انه لا يريد أن تصبح المملكة مثل دبي أو أمريكا، وان هذا التغيير يعتمد على ما لديهم من مقومات اقتصادية وثقافية وتاريخية ، مؤكداً على أهمية المعتقدات (لأنها تمثل روحنا، فالمسجد الحرام يوجد في السعودية، ولا يمكن لأحد أن يزيله. لذا فإننا بلا أدنى شك لدينا مسؤولية مستمرة إلى الأبد تجاه المسجد الحرام ).
رغم أن بعض المتابعين مستغربون من طبيعة هذه النقلة المباشرة التي يرون أنها لم ترعي طبيعة الستين سنة التي مضت تحت سيطرة خطاب ديني وطبيعة اجتماعية منغلقة ، وانها ربما ان تشكل ردة فعل عكسية مضرة ، لكن الواقع المعاش كما هو مشاهد يخبر بغير ذلك فعموم المواطنين منسجمين مع هذا التغيير والذي يبدو في بعضه تافهاً لكن لربما هي طبيعة الانتقال من مجتمع وحشي الفطرة الى مجتمع حضري متسق .

الإسلام المعتدل والإصلاح الديني :
تناول الأمير بن سلمان في الحوار محاوراً مختلفة كالوهابية والاخوان المسلمين والإصلاح الديني ، لكن أهم نقطة ذكرها ولي العهد هي الاعتراف بالتنوع الديني في المملكة خاصة المذاهب الثلاثة و كذا المذهب الجعفري الشيعي وهي المذاهب التي لطالما حوربت من قبل التوجه الديني في المملكة واستبعدت رؤوسها من الهيئات العلمية الدينية الكبرى والظهور الإعلامي الرسمي ، وبالرغم من ان الملك عبدالعزيز عند سيطرته على الحجاز اكد على حرية أصحاب المذاهب الثلاثة ، إلا ان الغلبة والهيمنة صارت بعد ذلك الى المذهب الحنبلي المشدد والذي لم تتبناه رسميا أي دولة إسلامية من نشأة الإسلام عدا الدولة السعودية ، إن هذا الانفتاح يعتبر تحولاً جديراً بالدعم والاهتمام حتى وإن طعن فيه المعارضون حيث يعتبرون أن مثل هذا الاعتراف بالآخر إنما هو إيهام بإن التحولات التي تحدث لا تشكل خصومة مع الإسلام و أنها لا زالت في نطاقه .
لقد كان ولي العهد صريحاً حينما أكد أنه لن تكون هناك رؤية دينية واحدة ولن يتم السماح بفرض رؤية واحدة أو الترويج لإحدى هذه المذاهب ليجعلها الطريقة الوحيدة لرؤية الدين في السعودية (رغم أن ذلك حدث ذلك سابقًا ) ويفهم من الحديث أن سياسة تحجيم الدور الوهابي قائمة ومستمرة ، مع اعتراف ضمني بخطر هذا المذهب وما جره على السعودية والمنطقة والعالم اجمع .
لا يوجد اسلام معتدل هكذا قال الأمير محمد بن سلمان مؤكداً انها مقولة تخدم المتطرفين للايهام بان التحولات التي تحدث هي تغيير للإسلام الى شيء جديد وقال ما نصه ( نحن نرجع إلى تعاليم الإسلام الحقيقية، التي عاش بها الرسول عليه الصلاة والسلام والخلفاء الأربعة الراشدين، حيث كانت مجتمعاتهم منفتحة ومسالمة، وكان عندهم مسيحيون ويهود يعيشون في تلك المجتمعات )

الإخوان المسلمين متطرفون :
حاول الأمير نفي التطرف والإرهاب عن الحركة الوهابية في نشأتها ومآلاتها ، و اجتهد في إلصاقه بالإخوان المسلمين وهو هنا قطعاً يحاول أن يرفع الحرج عمن بقي في صفه من رموز الوهابية ، حيث أكد على اخوانية كل قيادات الجماعات الراديكالية في المنطقة مؤكداً أن الجماعة لعبت دوراً كبيراً وضخماً في خلق كل هذا التطرف، و واصفاً إياهم بالجسر الذي يقودك الى التطرف حتى وان ظهروا بغير ذلك غير ذلك (( عندما تتحدث إليهم لا يبدون وكأنهم متطرفين، ولكنهم يأخذونك إلى التطرف .....تعد جماعة الإخوان المسلمين وسيلة وعنصر قوي في صنع التطرف على مدى العقود الماضية )) ، و رغم أن كلام ولي العهد يحمل مصداقية كبيرة ، الا أن غض النظر عن الأصل الحقيقي للتطرف يعد مشكلة حقيقية ، فبدون الاعتراف الواضح بدور وأثر الحركة الوهابية في كل هذا التطرف وعدم نقد الفكر وتحميل الإخوان الجريرة وحدهم ، فإن المشكلة ستستمر رغم ان كل التحولات الأخيرة تؤكد أن ولي العهد وسياساته تتجه الى هدم الفكر الوهابي نهائيا أو على الأقل تحجيمه في أضيق نطاق ، لكن تظل للسياسة احكامها وللسياسيين خططهم و أولوياتهم .

نظام الحكم والبيعة والديمقراطية
ارسل ولي العهد في هذا الحوار تطميناً بانه لا يريد تغيير نظام الحكم وطريقة الحكم في المملكة ، مع اعترافه ان هناك الكثير من الأفكار الجاذبة، كالديمقراطية و الملكية الدستورية ، لكنه أكد أن الأمر يعتمد على المكان والطريقة والخلفية.
ولي العهد أكد على خصوصية المنطقة وان هذه الخصوصية تبرر طبيعة الحكم الموجود ، بعبارة أخرى كلامه يدعم القول السائد حول المنطقة من انها منطقة لا يمكن ان تحكم بالديمقراطية أو حتى بملكية دستورية ( الديمقراطية في أمريكا رائعة .... لكنها صممت على وضعكم )، ورغم أن كلام ولي العهد كان عن المملكة إلا أنه يعطي رسالة واضحة ومفسرة لموقفه و موقف الأنظمة الخليجية كافة أمام أي تغيير ديمقراطي ناشئ في المنطقة و أن المنطقة وشعوبها غير مؤهلة للديمقراطية .

مقتل خاشقجي :
اكد ولي العهد في اجابته عن مقتل خاشقجي الخطاب الرسمي السابق حول الحادثة كون ما حدث مجرد فشل ذريع للنظام وانهم يبذلون جهداً لإصلاحه، ثم تساءل قائلاً ( لقد قُتل سبعون صحفيًّا تقريبًا حول العالم تلك السنة، هل يمكنك أن تسميهم لي؟ لا؟ إذن شكرًا جزيلًا، وهل فعلًا هذا إحساس بزميل صحفي؟ أم إنه مصمم ضدنا، وضدي أنا؟ إذا كان فعلًا إحساس بزميل صحفي، إذن أعطني أسماء الصحفيين السبعين الذين قُتلوا تلك السنة ) في إشارة واضحة ان هناك من يستهدف المملكة و يستهدفه شخصياً بإثارة هذه القضية عالمياً .

العلاقة مع أمريكا وقطر وايران وإسرائيل :
العلاقة مع أمريكا :
يجب عليك كقارئ ان تدرك ان علاقة السعوديين مع أمريكا بقيادة الديمقراطيين تختلف عنها مع الجهوريين خاصة في السنوات الأخيرة، خاصة مع الدور الذي لعبه الديمقراطيون وسياساتهم الرخوة مع الإيرانيين والتنظيمات الإرهابية والاخوان المسلمين وعلاقتهم المشبوهة بهم .
أصبحت المملكة تتعامل بندية مع الديمقراطيين بل واحيانا بتحد ، فهاهم اليوم يرفضون طلبات زيادة ضخ النفط ، ويتجهون لإبرام صفقات السلاح مع الروس و يستثمرون مع الصينين ، بعض فقرات الحوار أرسلت رسائل تحدي قوية لبايدن و للديمقراطيين بشكل عام وأسلوب حكمهم وممارساتهم في المنطقة ، فحينما سأله المحاور عن اهتمامه برأي بايدن فيه أوضح قائلاً ( إن هذا لا يهمني. أن هذا الأمر يعود إليه، ومتروك له للتفكير في مصالح أمريكا، فليفعل ذلك إذن ) وكأنه يقول لبايدن معاداتك لنا ستجعلك تخسر وليست في صالح أمريكا .
وبينما أبدى ولي العهد صرامة في رفضه أي إملاءات اجتماعية أو سياسية ( إذا حاولتَ الضغط علينا بخصوص شيء نؤمن به بالفعل، أنت فقط تُصعب علينا تنفيذه ... ممارسة الضغوط لم تجدِ نفعًا ) ، وأكد أن الاقتصاد يأتي أولا ثم المبادئ المزعومة ، حيث أوضح أن الشركات الأمريكية لديها تركيز كبير على المملكة العربية السعودية ، وان الأمر يعود للديمقراطيين سواء أكانوا يريدون الفوز بالسعودية أو الخسارة .

العلاقة مع قطر :
كانت الإجابة صادمة للمحاور عندما اخبره ولي العهد ان الخلاف مع قطر خلاف عائلي وأن العائلة تظل عائلة، والأمر مثل شجار بين الأشقاء، مما يعني أنهم حتمًا سيتجاوزونه ، لم يستوعب الصحفي المحاور الأمر وكيف تدار الأمور في سياسات الدول على أنها شجارات عائلية ، لكن اهل المنطقة يفهمون جيداً أن الشجارات العائلية لا تنتهي ابدا وانها أكثر خطرا من غيرها ، وهي اكثر حقدا ولؤما من غيرها من الخصومات ، ومرشحة للاشتعال مرة أخرى في أي لحظة أو عند اي نزوة ، وان ما حدث من مصالحة مجرد طبطبة ، ستنتهي قريبا في اقرب فرصة .

العلاقة مع ايران
( أعتقد أن أي بلد في العالم لديه قنابل نووية يُعد خطيرًا، سوءًا إيران أو أي دولة أخرى، لذا نحن لا نود أن نرى ذلك، وأيضًا نحن لا نرغب في رؤية اتفاق نووي ضعيف؛ لأنه سيؤدي في النهاية إلى ذات النتيجة ) .... لن نسمح بامتلاك ايران لقنبلة نووية ولن نؤيد اتفاقاً نووياً ضعيفاً ، هذه خلاصة الموقف السعودي من ايران مع بعض الديباجات الأدبية المستهلكة عن التعايش والتفاهم المشترك ..... وهو موقف مبرر ومنطقي لا يمكن لأي دولة تريد الحفاظ على كينونتها وأمنها الاستراتيجي إلا أن تتخذه .
عندما تكون جارا لبلد يحمل فكر ايدولوجي ، فتأكد أنك الهدف القادم له طال الوقت او قصر ، وهو الامر الذي تدركه السعودية بل والخليج أجمع ، حتى انهم اتجهوا الى تحجيم الخطر الإسرائيلي مقارنة بالخطر الإيراني مضحين بما كان يعتبر ثوابتا دينية وقومية مع ما لهذه التضحية من أثر مجتمعي وسياسي في بلدانهم .

العلاقة مع إسرائيل :
كل الضجة التي تثار عن العلاقات الخليجية مع إسرائيل في معظمها تندرج في اطار الممحاكات السياسية ، فكل التفاهمات والاتفاقات العربية الأخيرة ( فترة التسعينات ) تنص على الاعتراف والتطبيع مع إسرائيل ، من تركيا الى مصر مرورا بالأردن وقطر وغيرها من الدول العربية ، و أكبر ما يؤخذ على هذه العلاقات هي أنها حصلت قبل حل بعض القضايا ، و ولي العهد السعودي هنا يؤكد ذلك حينما يقول ( إننا نأمل أن تُحل المشكلة بين الإسرائيليين والفلسطينيين. إننا لا ننظر لإسرائيل كعدو، بل ننظر لهم كحليف محتمل في العديد من المصالح التي يمكن أن نسعى لتحقيقها معًا، لكن يجب أن تحل بعض القضايا قبل الوصول إلى ذلك ) .
ولي العهد اكد على حق دول الخليج ( في إشارة إلى الاتفاق الإبراهيمي ) ان تفعل ما تراه مناسباً وبما لا يضر بدول مجلس التعاون الخليجي الأخرى وان السعودية ستلحق بالركب ، وان ما يعيقها هو مجرد انتظار حل بعض القضايا .ا.ه

(ملاحظة الغريب ان لا المحاور ولا الضيف ذكرا قضية اليمن بخير او شر وهذا يؤشر الى تحول قضية اليمن الى حرب منسية وثانوية ...)

عرض وتحليل :
امجد الرامي