كتابات وآراء


الأحد - 18 سبتمبر 2022 - الساعة 01:03 م

كُتب بواسطة : أحمد علي الخنبشي - ارشيف الكاتب




كتب: المحامي أحمد الخنبشي

في مساء الثامن والعشرين من أغسطس للعام الجاري تناقلت وسائل الأعلام الرسمية عن ترحيب رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني عن عزم روسيا بنقل سفارة بلادها إلى مدينة عدن العاصمة المؤقتة رغم ان القائم بالأعمال الروسي في اليمن يفغيني كودروف شكك أن يكون ذلك بالوقت الراهن ..
علماً بأنه تم إغلاق السفارة بصنعاء عام 2017م لتعمل البعثة الديبلوماسية من الرياض مؤقتاً إي بعد عامين من إعلان عاصفة الحزم بقيادة المملكة العربية السعودية ودولة الأمارات ..

- تحالف مصالح روسي إيراني كلمة السر فيه الولايات المتحدة :
كان الروس من الداعمين الأوائل لإيران في زيادة نفوذها بالمنطقة العربية ولو بشكل غير مباشر أحياناً بمواجهة النفوذ الأمريكي بالمنطقة وهذا ما عكس جلياً في تبادل الأدوار الذي حصل بينهم في سوريا بعد إعلان روسيا عملياتها العسكرية في 2015م لدعم نظام بشار الأسد مما عكس الموازين لصالحه في مواجهه القوى والتنظيمات المسلحة المختلفة التي سيطرت على المشهد السوري منذ ثورة 2011م .. تشابك المصالح هذا في الساحة السورية عكس على عمق العلاقة بين إيران وروسيا في مواجهة القوى الغربية على رأسها الولايات المتحدة .. وأمتد الأمر إلى الجمهورية اليمنية مع إعلان عاصفة الحزم والتي تشارك فيه الولايات المتحدة كجزء فيه في المقابل بقت السفارة الروسية في العمل بصنعاء القابعة تحت سيطرة جماعات الحوثي أو ما يُعرف بحكومة صنعاء حليفة إيران وعلى اثرها عرقلت الديبلوماسية الروسية في مجلس الأمن إي قرارات تدين الحوثيين منذ ذلك الوقت وعلى مدى السنوات اللاحقة في إجهاض المشاريع الأممية بفيتو روسي وهذا الأمر لعب دوراً في تزايد النفوذ الإيراني بمناطق الحوثيين.

- مفاوضات الاتفاق النووي الإيراني بين الأمس واليوم :
شكلت المفاوضات الإيرانية مع الدول المعروفة باسم خمسة زايد واحد شكلاً جديداً في تطبيع العلاقات الغربية الإيرانية ومع إعلان الاتفاق الأول في 2015م والذي كانت روسيا جزءً منه وداعماً له بعد 12 عام من المفاوضات السرية والعلنية ..وبالتالي فأن الاتفاق النووي الإيراني الأول والمعروف باسم "أتفاق لوزان النووي" والذي عُقد في ذروة التحالف الإيراني الروسي وعكس ذلك بالإيجاب في نشاطاتهم السياسية والعسكرية والاقتصادية بالشرق الأوسط بشكل ملحوظ وتوسع في النفوذ الإيراني عبر ميليشياتها التي تدعمها في بعض الدول العربية.
مع إعلان بدء الحرب الروسية على أوكرانيا في الربع الأول من عام 2022م تغيير المشهد السياسي العالمي سريعاً ومع فرض حزم العقوبات الغربية المتتالية ضد الاقتصاد الروسي وبالأخص في ما يتعلق بالنفط والغاز مما أجبر موسكو في إعادة تموضع لعلاقاتها الدولية بما يخدم مصالحها وفي نفس التوقيت كانت المفاوضات الأمريكية الإيرانية تجري في الدوحة حول ملف الاتفاق النووي الإيراني وبعيداً عن فشل أو نجاح تلك المفاوضات إلا ان التصريحات المتتالية من مسؤولي إيرانيين خلال وقبل تلك المفاوضات حول زيادة مستوى إنتاج النفط لحد ما قبل العقوبات في رسالة مبطنه ومغرية لتسويق نفطها بديلاً عن النفط والغاز الروسي الذين يتجرعوا ويل العقوبات الغربية وهذه الرسالة الإيرانية سرعان ما التقطت إشارتها الولايات المتحدة و أوروبا الذين يحاولوا تقزيم روسيا في قطاع النفط الأمر الذي لم تغفله موسكو هي الأخرى مما دفعها للخروج قليلاً من دائرة المصالح المشتركة مع إيران.

- إعادة ترتيب للأوراق الروسية مع إيران وحلفاؤها:
المصالح الاقتصادية أولوية لا يمكن تجاوزها من الدول الكبرى مثل روسيا مما يجعل تصرفاتها تُعكس على سلوكها بالساحة السياسية الدولية ومع دفع الحزب الديمقراطي بالولايات المتحدة الدفة نحو تحقيق الاتفاق النووي بأسرع وقت قبل الانتخابات النصفية القادمة حتى ترفع العقوبات على الصادرات الإيرانية مما يخلق توازن هام في أسواق الطاقة العالمية.
روسيا حالياً من مصلحتها أن يبقى النفط الإيراني بعيدًا عن السوق الدولية مما يمنح قطاع النفط والغاز لموسكو مزيدًا من النفوذ في أوروبا مما يعني حتما مزيدا من المداخيل المالية والنفوذ السياسي.
على أي حال، يصر المسؤولون الأمريكيون على أنهم لن يستجيبوا لمطالب روسيا بربط قضايا أوكرانيا بترميم الاتفاقية النووية. تكمن المشكلة في أن الاتفاق النووي الإيراني في نسخته الأصلية، يتضمن قيام الروس بأدوار خاصة في مساعدة إيران على تنفيذ الاتفاقية، مثل شحن اليورانيوم المخصب الزائد من إيران. إذا رفضت روسيا لعب هذا الدور، فسيتم تقويض الاتفاق برمته وهو ما بدء الروس باستخدامه في مواجهة إيران كورقة أولى.
تطور الموقف الروسي لمستوى أرفع في مواجهة إيران في سوريا أيضا بسحب موسكو هديتها الثمينة من سوريا وهي منظومتها الدفاعية S300 من مناطق عدة وسحب الروس جزء قواتهم من قاعدة حميميم الجوية بحجة حرب أوكرانيا مما سمح لإسرائيل بالتمادي اكثر في تكرار قصف مخازن اسلحة ومنشآت تابعة لإيران وحلفاؤها مثل حزب الله في العمق السوري .

- إذا ماذا عن الشأن اليمني ؟
كانت الضربة الروسية الموجعة في اليمن على مرحلتين الأولى بتأييد روسيا المقترح الإماراتي المقدم بمجلس الأمن بحظر إيصال الأسلحة إلى جماعة الحوثي بعد ان كان مقتصراً على أفراد وشركات معينة وهو ما عرف بصفقة أوكرانيا مقابل الحوثيين وثانياً نقل السفارة الروسية إلى مدينة عدن عاصمة اليمن المؤقتة التي تخضع للحكومة الشرعية المناوئة للحوثيين رغم التشكيك الروسي بذلك في الوقت الراهن وهذا التشكيك الإعلامي هو فرصة أخرى لإيران وحلفاؤها بتعديل بعض مواقفهم .
كل ذلك أظهر جلياً تقلبات الموقف الروسي أتجاه إيران وحلفاؤها بالمنطقة بشكل لا يدع مجال للشك بتعارض المصالح بينهم.

- أخيراً ..ماذا بعد نقل السفارة !
نقل السفارة الروسية لعدن هو حدث سياسي من عدة أحداث متتالية تشهدها الساحة اليمنية الساخنة فالتنسيق الإماراتي الروسي وصل إلى مستويات متقدمة بعد الحرب الأوكرانية ونقل السفارة هي إحدى نتائج ذلك التنسيق .. وبشكل آخر قد يشجع ذلك سفارات الدول الأخرى للانتقال لعدن بعد قطيعة طويلة نظير حجج غير مبرره .

هل هناك فائدة مرجوه للملف اليمني بنقل السفارة الروسية لعدن ؟؟
بالغالب لا .. الملف اليمني بعيد كلياً عن أيادي الروس عسكرياً وسياسياً فالولايات المتحدة هي من تلعب دور محوري بهذا الملف برفقة حلفاؤها بالمنطقة فضلاً عن أن الروس لن يخاطروا بالتدخل المباشر لما لهذا الأمر من أبعاد سياسية خطيرة خصوصاً مع انشغالهم بأزمة أوكرانيا ومآلاتها الاقتصادية عليهم . ومن الجانب آخر إيران شريك حيوي للروس في المنطقة بل ان موسكو تتباحث مع طهران على نظام آخر لإدارة مبيعات النفط بعيداً عن نظام - سويفت - المالي وبالتالي يُفهم من تصرفات روسيا الحالية المضادة لإيران في الشرق الأوسط هي إيصال رسائل سياسية قاسية نوعاً ما عن مدى تأثير روسيا على مصالح إيران بالمنطقة في حال أرادت طهران منافسة موسكو تجارياً او تشكل لها عائق مستقبلي على مصالحها الأستراتجية.