كتابات وآراء


الأحد - 28 مايو 2023 - الساعة 07:17 م

كُتب بواسطة : عبدالرحمن أنيس - ارشيف الكاتب


لم يستيقظ الجنوبيون ذات صباح ليقرروا فجأة ان عليهم المناداة بفك الارتباط مع الشمال ..
لم يحصل الامر فجأة هكذا نتيجة تقلب مزاجي ..
التشدد السياسي الجنوبي تجاه قضية الوحدة ناتج عن صدمة سياسية اشد صعقا من صدمات الكهرباء ..
شعار (الوحدة او الموت) على كل علاته كان شعارا جنوبيا قبل ان يتشدق به عفاش ، كان البيض يردده في خطاباته وكانت صحيفة الثوري لسان حال الحزب الاشتراكي تضعه مانشيتا لصفحتها الاولى ..
حمل الجنوبيون قضية الوحدة منذ الاستقلال الوطني عام 1967 ، قال علي عنتر ان عيد ميلاده الحقيقي هو اليوم الذي تتحقق فيه الوحدة ، واوصى علي تفاريش في وصيته الصوتية التي سجلها قبل عملية اغتيال الغشمي بتحقيق الوحدة ، جرى تعليم طلاب المدارس منذ طفولتهم ترديد الشعار في طابورهم الصباحي الذي ينص على المطالبة بتحقيق الوحدة اليمنية ، قدموا دولة تفوق في مساحتها الجغرافية مساحة الشمال وقدموا عاصمة ، ووافقوا على نقل الوية جنوبية للشمال في مناطق ذات عمق ليس فيها خطوط امداد ولا خط للهروب عند الطوارئ ، وتقدموا للوحدة بصدق في وثيقة غير معقدة لا تتجاوز نصف صفحة ..
ماذا جرى لهم بعد ذلك ؟
بدأت عمليات الاغتيال للكوادر الجنوبية منذ الاشهر الاولى ، كادر تلو كادر يغتاله مجهولون ، بدأ شريكهم الشمالي في التنسيق مع الاحزاب السياسية لتبني حملات ضد التفاهمات التي تمت مع الاشتراكي ( وفق اعتراف الشيخ عبدالله الاحمر في مذكراته المطبوعة ) ، تم الغدر بالالوية الجنوبية في الشمال وابادتها ، تم قصف عدن بالطائرات والسيطرة على قاعدة العند واسقاط الضالع قبل ان يكون هناك اي حديث رسمي عن فك الارتباط.
حتى بعد ان اعلن البيض فك الارتباط في 21 مايو 1994 وهو الذي واجه لمدة شهر حرب شنت عليه ظلما وهو ينادي بالوحدة ، لم يسم الدولة بالجنوبية بل سماها (جمهورية اليمن الديمقراطية) وكان يتحدث باسم الشعب اليمني وليس باسم شعب الجنوب ..
وكانت النتيجة المؤسفة : من قدموا دولتهم للوحدة على طبق من ذهب تحولوا الى قادة مطاردين باسم (الشرذمة الانفصالية) ، منهم من مات غرقا كصالح السييلي ، ومنهم من خسر جنسيته حتى اللحظة كعلي سالم البيض ، ومنهم من فقد اولاده خلال عملية الهروب كشعفل عمر ، ومنهم من قتل وهو يدافع عن حلمه كصالح بن حسينون ..
جرى نحر الحلم الوحدوي نحرا ، دقوا اخر مسمار في نعشه وهم يتوهمون انهم يدقونه في نعش الانفصال ..
لقد جعلوا الانفصال حقيقة واقعة ، بعد ان كانت مجرد تهمة سياسية يرمون بها خصومهم.
لقد احالوا الوحدة الى كابوس بعد ان كانت حلما جميلا.