كتابات وآراء


الثلاثاء - 05 مارس 2024 - الساعة 10:10 م

كُتب بواسطة : علي بارواس الكثيري - ارشيف الكاتب



كتبه : علي بارواس الكثيري

شهد العالم على مر السنوات الماضية مراحل متقدمة من التجارب العلمية المتعددة منها ماكان مصيرها الفشل وأخرى أصبحت وسيلة حديثة وركيزه يعتمد عليها الفرد في المجتمع للوصول إلى غايته في مختلف المجالات بالحياة العامة، فالعالم خلال الفترة المعاصرة يعيش ثورة علمية حديثة وهذه الثورة تختلف كلياً عن سابقاتها فهي مميزة من حيث نوعها وأداءها ووظيفتها وأخذت طابع تكنولوجي يواكب ما وصل إليه العلم من مستوى عالي ومتقدم في العالم الرقمي الحديث.

فهذه التقنية أو الأداء أصبحت محل اهتمام شديد في مختلف الدول المتقدمة ويطلق عليها بـ "الذكاء الإصطناعي" أو ما يطلق عليها البعض بمسمى آخر بـ "الروبوت الذكي"، حيث أصبحت هذه التقنية تلعب دوراً بارزاً وحيوياً في حياة وسلوكيات الأفراد بمختلف المجالات المتعددة، وهي إمتداد لطفرة تكنولوجية طويلة المدى، ومن خلال ذلك أصبح العالم يرىٰ أنها الوسيلة الأنسب والحل البديل للتخلي عن الإنسان البشري والطرق العرفية المعتادة في كثير من الجوانب العملية والعلمية، حتى أصبح "الذكاء الإصطناعي" مرتبط بكافة المجالات وغالباً ما يقوم مكان القوى العاملة في المصانع أو المجمعات الصناعية أو ضمن الكادر الوظيفي في الإدارات التعليمية والبنوك والمؤسسات الخدمية أو عبر تطبيقات رقمية ونحو ذلك كما نشاهده في الوقت المعاصر بكافة المجالات المختلفة، ولكن مع هذا التقدم الحديث توجد هناك تحديات تطرح بشكل أساسي وأبرزها "التحديات القانونية" أو بمعنى آخر المسؤولية القانونية إتجاه أدوات الذكاء الإصطناعي بمختلف مسمياتها وذلك في كيفية استخدامها على إعتبار أنها مرتبطة بمعاملات الأفراد وخدماتهم فهي وسيلة حديثة يتوجب التعامل معها.

وكما هو المعلوم أن كل فرد يكون مسؤول عن تصرفاته وأفعاله وما يقوم به إتجاه الآخرين، بحيث إذا وقع منه فعل مخالف أو ضرراً مادياً أو معنوياً بأي فرد من أفراد المجتمع يتحمل المسؤولية القانونية اتجاههم ويقوم على جبر الضرر بما يقرره القانون حيال ذلك سوى كان الفعل مدنياً أو جنائياً، ولكن قد يكون من الصعب تحديد "المسؤول المباشر" عن هذه الأفعال أو التصرفات إذا كان الفعل قد صدر من أداء أو روبوت قائم أو يعمل بتقنية الذكاء الاصطناعي، وخاصة إذا كانت هذه الأدوات تعمل بشكل مستقل ومنفرد وتتخذ قراراتها وأفعالها وتصرفاتها بدون أي تدخل بشري مباشر عليها، وهنا يكون التحدي واضح في مسألة تحديد المسؤولة القانونية، أذ يتوجب الأمر على السلطات التشريعية في الدول التي تتعامل مع الذكاء الإصطناعي بشكل مباشر أن تُطبق نصوص القانون على مثل هذه الأدوات المتمثلة في تقنية "الذكاء الاصطناعي" بنفس الطريقة التي يُطبق بها القانون على سلوك الأفراد في المجتمع أو بطرق أخرى تناسب هذا الأمر، بحيث يتم تنظيم عملها وإستخدامها من قبل الجهات التي تقوم بذلك وتحديد المسؤوليات الواقعة والمحتملة، وهذا يتطلب معالجة نوعية وحديثة للقانون في "تحديد المسؤولية القانونية" التي تنشأ عندما تتسبب تلك الأدوات في الأذى أو الخطأ أو الرعونة أو الاعتداء حق الحقوق الفكرية أو الإضرار المباشرة والغير مباشرة أو حتى الأضرار المحتملة لمستخدميها من الأفراد، بحيث يجب على السلطات التشريعية والحكومات والمنظمات والمؤسسات المحلية والدولية لفت النظر ودراسة هذا المجال الحديث بعناية، وذلك لضمان حماية المجتمعات والأفراد من المخاطر المحتملة من هذه الوسائل الحديثة والمتقدمة، والجدير بالذكر أنه ومع نهاية عام 2023م وافق الإتحاد الأوروبي كأول قارة على وضع قواعد واضحة لإستخدام "تقنية الذكاء الإصطناعي" للحد من إساءة استخدامها بشكل غير سليم على مستوى دول الإتحاد الأوروبي، وأما عن القانون اليمني الذي يعتبر أحدى أبرز القوانين والتشريعات في وقت سابق لم يطرأ عليه أي تعديلات أو تشريعات جديدة منذُ سنوات عديدة ولم يتطرق للمتغيرات الحديثة في العالم الرقمي وذلك بسبب الصراعات السياسية بالدولة، فالقانون اليمني كغيره من بعض القوانين بالدول الأخرى بحاجة إلى إطراء قانوني بحث وإعادة بناء ومواكبة للأفعال والتصرفات الإجرامية الحديثة والمتقدمة في الوقت الراهن.

وفي الختام يجب أن نشدد على المساهمة الفعالة من قبل رجال القانون والمؤسسات والمراكز القانونية في مختلف الدول بخطوات فورية وورش عمل لدراسة ومعالجة مثل هذه التحديثات المتوقعة في المجال القانوني والمتغيرات لتحديد آثار "المسؤولية القانونية" لأدوات الذكاء الاصطناعي وتنظيم عملية استخدامها وفقاً لمعايير محددة تضعها الدولة نفسها، وذلك لتحقيق التوازن بين التطور التكنولوجي والقانون لحماية المجتمع وإرساء قواعد قانونية سليمة.