كتابات وآراء


الجمعة - 18 يونيو 2021 - الساعة 04:07 م

كُتب بواسطة : أمجد الرامي - ارشيف الكاتب


لا يمكننا ان نتصور أن أي جماعة بإمكانها أن تعيش فترات طويلة في حالة من الفوضى وعدم الانسجام الفوضى والظلم والاضطهاد وسلب الحقوق، لذا كانت هناك الشرائع وكان ثمة القانون الذي يضمن قيام النظام واستمراره ولو في أضعف صوره ، وقيمة القانون الحقيقة لا تتجلى إلا عند حصول الفوضى والاضطرابات وعندها تتجلى المحكمة والقانون كقيمتين عظميين . وأخطر شيء ربما يتم حوله خصام ونزاع هو الماء فبه الحياة وهو عصبها وشريانها الذي يغذيها .
المشرع اليمني تلمس هذه الخطورة فكان القانون رقم ( 33 ) لسنة 2002م بشأن المياه الذي نظم التعامل مع أي موارد مائية موجودة ضمن حدود الجمهورية سواء كانت مياه سطحية أو جوفية بما في ذلك المياه المتدفقة طبيعياً في مجاري الوديان وفي القنوات الصناعية والمياه الادمة بعد تنقيتها والمياه المالحة بعد تحليتها .
الحوض المائي لمديرية غيل باوزير والذي يرفد بنسبة أكثر من 60 في المائة من مياه مشروع مياه المكلا الكبرى بحسب إحصاءات 2006م والتي لم نحصل على أية إحصاءات فعلية في الوقت الراهن .. تعرض لاستنزاف جائر مما أدى إلى حراك مجتمعي للوقوف أمام هذه الكارثة التي تفاقمت وطال ضررها الجميع ( كارثة الجفاف ) بينما كانت مؤسسة المياه تتعامل بأريحية مع المشكلة وكأن المشكلة لم تقع بهذه الصورة الوحشية .
الحوض المائي لمديرية غيل باوزير تعرض لاستنزافه طيلة 23 عاماً و مع جود بدائل لم يتم استخدامها بل وقيل وأنها حفظت كمخزون استراتيجي لحوض مديرية المكلا ، الأمر الذي أثار امتعاض كثير من المتابعين بشكل عام والمتضريين في المديرية بشكل خاص ، لقد كان الضرر متحققاً وبصورة فجة .
ورغم ذلك فإن كل التحركات المجتمعية والشعبية والرسمية إنما تهدف بشكل أساسي إلى توزيع الضغط على جميع الأحواض المائية وبما لا يشكل أي جور على حوض مائي بعينه مثلما هو حاصل الآن ، وبحسب ما تقتضيه بنود قانون المياه الذي يضمن توزيعا عادلا في حال شح الموارد في أي حوض على حساب حوض آخر .
قانون المياه كان واضحاً بهذا الخوص حيث نصت المادة (50) على التالي -:
((بعد تقييم البدائل والخيارات الممكنة وتحديد أفضليتها من خلال إجراء الدراسات المستفيضة والشاملة (الفنية والاجتماعية والاقتصادية) القائمة والمستقبلية يجوز للهيئة بعد موافقة مجلس الوزراء، أن ترخص بضخ كميات معينة من المياه الجوفية أو السطحية من أحد الأحواض أو المناطق المائية، ونقلها بصفة دائمة أو مؤقتة للاستخدام في أحواض أخرى، وذلك متى توافرت الشروط التالية :
1- أن لا تؤدي عملية النقل إلى الإضرار باحتياجات الشرب والاستخدامات المنزلية وبحيث لا يكون هناك تأثير سلبي مستقبلي على كمية ونوعية المياه في المنطقة أو الحوض المنقول منه.
2- أن يكون النقل لغرض الشرب والاستخدامات المنـزليــة في الحوض المتلقي للماء.
3- أن يكون المخزون المائي في المنطقة أو الحوض المنقول إليه غير كاف لتلبية الاحتياجات بسبب شح المياه أو عدم صلاحيتها للشرب بعد إيقاف كل الاستخدامات الأخرى.
4- التشاور والتنسيق مع السلطات المحلية ولجان الأحواض والمنتفعين الفعليين من الحوض المنقول منه.
5- إذا حدثت أضرار من جراء نقل المياه على مصالح قائمة للمنتفعين (أصحاب حقوق الانتفاع) فيعوض عن هذه الأضرار تعويضاً عادلاً ولمرة واحدة).
6- وفي جميع الأحوال، يراعى في حالة تعدد المصادر التي يمكن النقل منها ، وتقارب الكلفة الاقتصادية للنقل منها أو من بعضها مع كلفة النقل من مصدر واحد فقط، أن تسحب الكميات المطلوبة من المياه موزعة بين أكثر من مصدر، بما يؤدي إلى توزيع تأثيرات السحب بين الأحواض )) .
هذه المادة تمكن من نقل المياه من حوض إلى منطقة حوض آخر وهو ما حدث مع حوض مياه مديرية الغيل بنقل مياهه إلى حوض المكلا طيلة أكثر من 23 عاما ، لكن المادة تتحدث عن جواز نقل مياه حوض إلى آخر بشروط ستة وقد وضحتها المادة السباقة الذكر ( مادة 50 ) ، وقد حدث إخلال واضح بهذه الشروط في مشكلة مياه حوض مديرية الغيل بما يمكن بسطه على النحو التالي :
1- الإضرار الأول حدث .... باحتياجات الشرب والاستخدامات المنزلية و كذلك وجد تأثير سلبي مستقبلي على كمية ونوعية المياه في المنطقة أو الحوض المنقول منه.
2- استخدمت المياه المنقولة لغير أغراض الشرب والاستخدامات المنـزليــة.( سقي التشجير والاستعمالات الصناعية )
3- توجد اكتشافات وآبار وحقول جديدة في منطقة الحوض المتلقي بحسب تصريحات المدير السابق لمؤسسة المياه في 25 مارس 2008م .
وهو الأمر الذي أكده المدير السابق المذكور في تصريح لصحيفة الايام بتاريخ 25 مارس 2009م حيث قال ( إن مدينة المكلا والمناطق المجاورة لها لن تعاني أية مشكلات في تموينات المياه خلال الخمسين عاماً القادمة ، بحسب المؤشرات التي أفرزتها الإكتشافات الاخيرة لحقول الماء و آخرها الاكتشاف الجديد لحقل مياه منطقة الغليلة الذي يتميز بنوعية وكمية مياه ذات جودة و مواصفات ممتازة ) إضافة إلى الحقلين السابقين في منطقتي فلك و زمن .
كما أكد نفس الشيء أيضاً في تصريح أوردته شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) على لسانه بما نصه "استعمال الآلات الحديثة مكننا من اكتشاف مصدر ضخم لمياه الشرب الجوفية في الغالية بضواحي المكلا... تظهر تقييماتنا المبدئية بخصوص هذا المنبع الجديد أنه سيوفر مياه الشرب لمدينة المكلا على مدى خمسين عاماً القادمة... كما أن جودة المياه ممتازة".

كما اوردت نفس الشبكة ( الأنباء الإنسانية إيرين ) في موقعها تصريحاً منسوباً للأخ محفوظ عبيد باقويقو، المدير العام لمشروع مياه المكلا الكبرى يقول فيه "مصدر مياه الغالية يتكون من تسع آبار، تستطيع كل منها توفير 30 لتراً من المياه في الثانية. وستتمكن هذه الآبار حتماً من تزويد المدينة بمياه الشرب لعدة عقود قادمة". وأضاف أن "المهندسين وصلوا إلى المياه على عمق 225 إلى 320 متراً ولم يستطيعوا الذهاب إلى أبعد من ذلك نظراً للضغط الهائل للمياه في الخزان".
الأمر الذي كان يفترض به خفض الضغط على حقول الحوض المائي لمديرية الغيل ، لكن لم يتم شيء من ذلك .
4- التشاور والتنسيق مع السلطات المحلية بحسب الواقع لم يحقق إنصافاً للمنتفعين بدليل حركات الاحتجاج المستمرة للأهالي والمزارعين .
5- بالنسبة إلى التعويضات لا زلنا نسمع من المتضررين مطالب بالتعويض خاصة منتفعي المعايين .
6- لم يراع إلى الآن تعدد المصادر التي يمكن النقل منها لا زال الضغط الأكبر على حقول حوض مياه مديرية الغيل .
هذه المادة ومواد أخرى في قانون المياه كالمواد ( 28- 29- 31 – 41- 48- 50 – 54- 75 )
كالمادة (28) والتي تنص على مراعاة الحقوق التقليدية في الانتفاع من حصاد الأمطار وما يترتب عنها من سيول وفيضانات مائية حيث نصت المادة ( 28 ) على التالي : تراعى الحقوق التقليدية في الانتفاع من حصاد الأمطار ومياه السيول المتدفقة طبيعياً، وذلك فيما يتعلق باستخدامها للري وارتباطها بالأرض الزراعية المنتفعة بها، وتراعي في هذه الحقوق خصائص المناطق ذات الصلة بالأعراف والتقاليد ونظم الري المرعية والمتعارف عليها في كل منطقة من مناطق الجمهورية.
كما أن المادة ( 29 ) نصت على حقوق الانتفاع التقليدية على المياه السطحية على عمق أقل من ستين متراً
: (( تبقى حقوق الانتفاع التقليدية والحقوق المرفقة بها قبل صدور هذا القانون على مياه الينابيع والعيون والغيول والجداول الطبيعية والآبار السطحية التي لا يزيد عمقها عن ستين متراً مصانة ، ويحتفظ بها أصحابها كحقوق قائمة، وذلك دون الإخلال بقواعد التسجيل، وعلى أن تظل مخصصة للأغراض المعدة لها.
مادة (41) : على الحكومة إقامة المشاريع التي تنمي الموارد المائية وحصاد المياه وللهيئة الحق عند الضرورة بإعادة النظر في كمية المياه المرخص بضخها من أي خزان جوفي أو سطحي وبما يتناسب مع الموارد المائية الكلية القابلة للإستغلال من ذلك الخزان وذلك في إطار المشاريع المائية التي أنشأتها الحكومة أو تسعى لإنشائها مستقبلاً وفقاً للخطة المائية.
و بالرغم من ان المادة (31) تجيز للدولة وضع يدها على حقوق الانتفاع حيث يقول منطوق المادة ( 31 ) : تحدد اللائحة التنفيذية لهذا القانون الحالات التي يجوز للدولة أن تضع يدها على حقوق الانتفاع بالمياه إذا اقتضت المصلحة العامة ذلك أو ضرورة الترشيد في استخدامات المياه، مع التعويض العادل للمنتفعين وفقا للقوانين النافذة) إلا أنها لا يمكن أن تنطبق على مشكلة الحوض المائي لمديرية غيل باوزير للمسببات والتوضيحات التي سقناها خلال سرد المواد السابقة .
ومن هذا المنطلق وبعد متابعات ومطالبات متكررة من المستفيدين من الحوض المائي لمديرية غيل باوزير أصدر مجلس الوزراء قرارين بهذا الخصوص قضيا بالإيقاف التدريجي للضخ من حقول الحوض المائي لمديرية غيل باوزير بنسبة عشرين في المائة لمدة خمس سنوات
1- قرار رقم (رو 28/247) بتاريخ 17/1/2001 م والذي ينص ضمن فقرة الحلول العاجلة ان تبدا المؤسسة المحلية للمياه والصرف الصحي بمحافظة حضرموت منطقة الساحل خفض الضخ من حقل النقعة بشكل تدريجي لمدة 5 سنوات بمعدل 20 % سنويا
2- قرار رقم 11/4101 بتاريخ 12/11/2001 والذي يلزم وزارة الكهرباء والمياه بتنفيذ هذا القرار .
لكن مؤسسة المياه بساحل حضرموت لم تنفذ هذين القرارين مما يجعل من تفعيل المادة (75) أمراً متوقعاً من المتضررين والتي تنص على التالي : (( تقع مسؤولية التعويض عن الأضرار التي تلحق بمصادر المياه وحقوق الانتفاع القائمة عليها أو أية أضرار مادية أو صحية تلحق بالغير على من قام بممارسة أعمال مخالفة لأحكام هذا القانون أدت إلى حدوث مثل تلك الأضرار )) .
لقد كان المشرع اليمني واضحاً في ما سطره في قانون المياه رقم ( 33 ) لسنة 2002م بشأن المياه و وفر عدالة في التوزيع وحماية للمصادر وللمنتفعين وتعويضاً للمتضررين وحماية للأحواض المائية بما يحقق أمناً مجتمعياً ومائياً للجميع .... وعلى قاعدة لاضرر ولا ضرار .
كتبه : أمجد الرامي